الآن؛ انتهى شهر رمضان، وليس سرًا أو وهمًا أن موسم «المشاهدة الحقيقية» للأعمال الدرامية الرمضانية يبدأ الآن، إذ أن كثيرين من الناس الطبيعيين يبدأون حاليًا الاتجاه إلى مواقع وتطبيقات المشاهدة على الإنترنت، بعد أن أعياهم بالطبع زحام المسلسلات والإعلانات فى رمضان، ليس ذلك وحسب؛ بل إن القنوات الفضائية ذاتها تبدأ إعادة عرض مسلسلاتها بعد أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر من انتهاء الشهر الكريم!. ألا تري؟!. إنه موسم «المشاهدة الحقيقية» الذى يبدأ الآن. الكل يعرف هذا لكن الكل يتواطأ، لأجل استمرار المنظومة؛ منظومة الوهم المسمى «موسم الدراما الرمضانية»؛ حيث الضجيج والزحام والإبهار، حيث الإعلانات والمنافسات والأموال، وفى ظل هذا الكرنفال؛ إياك أن تسأل عن مشاهدة فنية متذوقة أو رؤية نقدية متعمقة. لا أحد ينتظر منك هذا، لا أحد يراك فى الأغلب أصلا، ففى «السوق»؛ الأرقام هى الأهم لا الأشخاص أو الأفكار، وأنت غالبا فى نظرهم مثل الفتى «أوفا» - عبدالرؤوف- بطل الإعلان الرمضانى الشهير الذى تعاطف معه الملايين لأنه «ماحدش بيعمل له حساب». ألا تري؟!. أصبحنا نتذوق وننقد الإعلانات لا المسلسلات. تلك هى أحكام «السوق»!. لكن هذه السوق أيضا بها ملامح يمكن أن تكون مُبشرة، إذا أحسن العقلاء استغلالها، فبعض شركات الإنتاج الفنى يدخل فى شراكة مع وكالات إعلانية، فتكون المصلحة بينهما واحدة. وهذا أمر جيد، لأن شركة الإنتاج هنا لن تضطر للخضوع لشروط وكالة إعلانية أخري، بل ستكون أكثر هدوءاً وأمانًا فى تسويق مسلسلها، وهو ما يسمح لها بأن تحدد شروطها لإذاعة العمل الفنى على الفضائيات بشكل لائق، يتيح الحفاظ على قيمته، والربح منه أيضا. لكن كل هذا رهن بوجود عقلاء، يكونون حريصين بالفعل على القيمة الفنية لا الربح المادى وحسب. وإذا ما علمتَ أن مِن هذه الشركات مَن أنتجت وحدها ما يقارب نسبة الربع من إجمالى عدد المسلسلات فى شهر رمضان؛ فإنك تتساءل فى جنون: بما أن هناك هذا القدر من الاستحواذ لدى بعض الشركات داخل السوق، بما يعنى الاطمئنان المالى والسيطرة النسبية؛ فلماذا لا يتم استغلال ذلك لتوجيه السوق فى اتجاهات تحافظ على الفن والربح معا؟!. لماذا تقوم الشركات بتكديس عدة مسلسلات من إنتاجها فى موسم الزحام الرمضانى ولا توزعها على مدار العام؟!. متى نبدأ العمل لتفكيك الوهم المسمى «موسم الدراما الرمضانية» بالتدريج؟!. السؤال الأخير طرحته على كاتب محترم، هو مؤلف أحد المسلسلات التى حققت نجاحا كبيرا، قبل الموسم الرمضاني؛ إنه الدكتور حاتم حافظ مؤلف مسلسل «الشارع اللى ورانا»، وجاءت الإجابة مفاجئة نوعا ما، ومبشرة أيضا، حيث قال: «أرى أن الموسم الدرامى الرمضانى بدأ تفكيكه بالفعل بالتدريج، فمنذ 5 سنوات كان لدينا نحو 40 مسلسلا، والآن لدينا 20 فقط بخلاف المسلسلات الكوميدية، فالسوق هى التى فرضت فكرة تفكيك الموسم خلال السنوات الماضية، حيث أدرك بعض صناع الدراما أن 3 أو 4 أعمال فقط هى التى تحظى بالمشاهدة فى رمضان، ولأنهم ليس لديهم قدرات تنافسية كبيرة؛ أى ليسوا عادل إمام أو يحيى الفخرانى مثلا، قرروا الخروج من الموسم حتى يشاهد الناس أعمالهم، وما حدث هو أن هناك أعمالا نجحت نجاحا كبيرا بالفعل، فبدأ تفكك الموسم الرمضاني، وأظن أن هذا سيزيد خلال السنوات المقبلة». «قصة الإعلانات»؛ أليس لها من حل؟!. سألت محدثى فأجاب: «لا بد من وقفة من جانب صناع الأعمال الدرامية أنفسهم، فأصحاب القنوات الفضائية اجتمعوا منذ فترة وحددوا سقفا ماليًا لإنفاقهم على شراء المسلسلات، دفاعا عن مصالحهم، وفى المقابل لا بد أن يشكل المنتجون رابطة لهم مثلا، ليحددوا شروطهم لعرض مسلسلاتهم بأسلوب يحمى العمل الفني، لأن الحاصل حاليا هو أننا نملأ ساعات، لا ننتج فنًا، والكل أصبح مستاءً، وهذا يضر بسمعة الدراما ومنتجيها، والقنوات أيضا، بل حتى المعلنين أنفسهم، لأن الإلحاح بالرسالة الإعلانية على المتلقى يأتى بنتيجة عكسية بالنسبة للسلعة». أخيرا.. كتبتُ هنا حول الموضوع ذاته مرتين من قبل، يومى 23 مايو و6 يونيو، وكتب كبارٌ كثيرون آخرون، وأعتقد أن الصورة أصبحت شديدة الوضوح، وشديدة الفجاجة أيضا، لمن يريد أن يفعل شيئا، إن كان جادًا، فالفن يغير فى الشعوب ما لا تغيره الثورات، والحياة لا تستوى إلا بالأفكار والأرقام معا.