دخلت الحرب اليمنية مرحلة جديدة أكثر دموية مع بدء العملية العسكرية للتحالف العربى تحت اسم النسر الذهبى للسيطرة على مدينة الحديدة الإستراتيجية ومينائها الحيوى على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، بعد فشل المفاوضات التى أجراها المبعوث الأممى مارتن جريفيث، الذى طرح على الحوثيين وحلفائهم تسليم الميناء إلى إدارة دولية، لتجنب شن هجوم وشيك عليه من جانب قوات التحالف العربى، لكن الحوثيين وضعوا عدة شروط، من بينها عدم اعتراض البضائع المتجهة إلى مناطقهم، وإلزام الحكومة بتسليم رواتب موظفى الدولة، وإيقاف الغارات الجوية، وبدء مفاوضات سلام بضمانات كافية. خطورة معركة الحديدة تنبع من عدة اعتبارات، فى مقدمتها أن ميناء الحديدة أهم منافذ محافظات الهضبة اليمنية على البحر الأحمر، والشريان الرئيسى للمساعدات الإنسانية، وهناك اتهامات بأن الحوثيين يتلقون من خلاله مساعدات عسكرية إيرانية. سعت قوات التحالف العربى إلى إيجاد سبيل يجبر قوات الحوثيين على تسليم الميناء دون قتال، خشية حدوث كارثة إنسانية قد تطال نحو 600 ألف مدني، علاوة على تجنب الخسائر التى ستتكبدها قوات التحالف والجيش اليمنى، فالمعركة ستكون داخل مدينة كبيرة، وتنتمى إلى شمال اليمن، والمتوقع أن تبدى مقاومة كبيرة، خصوصا أن قوات الحوثيين قد أحاطت الميناء والمطار والطرق المؤدية إلى المدينة بالألغام، والحرب داخل المدينة ستحد من فعالية الغارات الجوية التى تعتمد عليها قوات التحالف، وهو ما يرجح أن تكون معركة الحديدة الأكثر دموية منذ بدء الحرب فى عام 2014. ومن بين الصعوبات الأخرى أن الطريقين الساحليين إلى الحديدة من الشمال والجنوب سهل طويل وضيق، وتشرف عليه مناطق جبلية، يسهل أن تنطلق منها عمليات لقطع طرق الإمداد البري، كما تنتشر عليها صواريخ قادرة على ضرب البوارج والسفن، وسيؤدى طول خطوط الإمداد إلى صعوبات عسكرية لقوات التحالف العربى والجيش اليمنى الموالى للرئيس هادي. وتراهن قوات التحالف العربى على معركة الحديدة وفرض حصار حديدى على الهضبة اليمنية التى صمدت طوال أكثر من 3 سنوات أمام هجمات قوات التحالف على محاور نهم وصرواح والجوف وتعز، وأن يؤدى الحصار إلى زعزعة سيطرة الحوثيين، وبالتالى يسهل هزيمتهم. إن الحرب اليمنية لا تبدو متكافئة من الناحية العسكرية، فقوات التحالف العربى تملك أحدث الطائرات والبوارج الحربية والمدرعات، وتفرض حصارا بحريا وبريا وجويا شاملا على قوات الحوثيين، الذين لا يملكون سوى أسلحة قديمة كانت بحوزة الجيش اليمني، ولا يملكون أى طائرات أو بوارج أو دفاع جوى مؤثر، ويعتمدون على قطع المدفعية والصواريخ ومضادات الدروع والأسلحة الخفيفة، لكن ظهرت بحوزتهم طائرات مسيرة وصواريخ باليستية قالوا إنهم تمكنوا من صناعتها محليا، بينما تتهم دول التحالف إيران بأنها من زودتهم بالصواريخ الباليستية، وإن كان المرجح أن تكون إيران قد زودتهم بطرق تصنيع تلك الصواريخ والطائرات المسيرة لصعوبة نقل الصواريخ الباليستية واختراق الحصار البحرى والبرى والجوى المفروض على الأراضى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. السيناريوهات المتوقعة للمعركة تنحصر فى ثلاثة احتمالات، الأول هو السيطرة السريعة لقوات التحالف العربى على مطار وميناء الحديدة، وهو ما سيشكل ضربة قوية لقوات الحوثيين وحلفائهم ويقوض من سيطرتهم، بفقدان أهم شرايين المساعدات الإنسانية، وربما المساعدات العسكرية، وسيجعلهم فى وضع سييء عند إجراء أى مفاوضات لإنهاء الحرب، وعندئذ ربما يغامرون بضرب السفن العابرة للبحر الأحمر، وإطلاق صواريخ باليستية على كل من السعودية و الإمارات، ويحاولون الإضرار بمراكزهما الاقتصادية، أما الاحتمال الثانى فهو أن تواصل قوات التحالف العربى تقدمها للسيطرة على الهضبة اليمنية، وهو احتمال صعب لأن الخسائر ستكون أفدح بكثير من معركة الحديدة، وستكون جبال اليمن أحد أهم أسلحة الحوثيين، ويمكن منها شن هجمات على قوافل ومعسكرات قوات التحالف، التى ستقلل من غاراتها الجوية، وتدخل فى حرب عصابات، أما الاحتمال الثالث فهو أن تصمد قوات الحوثيين فى الحديدة، وتؤدى المعركة الطويلة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، بما يفوق احتمال الدول الكبرى الداعمة للتحالف العربي، وأهمها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، والمصدر الرئيسى لأسلحتها، وستتعرض إلى ضغوط شديدة لوقف الحرب، وفى كل الحالات فإن حرب اليمن ستظل أكبر مأساة إنسانية، لا يقلل منها المطالبة اللفظية المتكررة بوقف الحرب واللجوء إلى الحلول السياسية، فالحرب دخلت عامها الرابع وتتسع معها جراح ملايين اليمنيين الذين يواجهون الجوع والأمراض الفتاكة، ولا يلوح فى الأفق إلا بصيص من الأمل فى استيقاظ الضمير العالمى ليوقف تلك المأساة الرهيبة قبل أن تستفحل. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد