عندي سبب إضافي كي ابتهج بتولي المستشار محمود مكي نائبا لرئيس الجمهورية, فقد شرفني زملائي في حركة صحفيون من أجل التغيير بأن أتولي تكريمه وتطويق عنقه بباقة ورد صيف عام2006. كان ذلك بمقر نقابة الصحفيين بعد أيام معدودة من انتهاء المحاكمة التأديبية الهزلية للقاضيين مكي ورفيقه هشام البسطاويسي لتجرأهما علي فضح تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام2005 ولتسريب ماعرف اعلاميا ب القائمة السوداء للقضاة المتورطين في التزوير, وهي المحاكمة التأديبية التي جعلت من القاضيين الجليلين رمزا لطلب المصريين الحرية والعدالة, وحولت نادي القضاة في شارع عبد الخالق ثروت بقلب القاهرة قبلة لأحرار هذا البلد, فدارت حوله مواجهات مع شرطة مبارك وتعرض للاعتقال والسحل والضرب العديد, ومن بينهم القاضي الجليل محمود حمزة. في هذا التكريم الذي نظمته صحفيون من أجل التغيير بالاشتراك مع لجنة الحريات بالنقابة حضر مكي وعدد من رموز تيار استقلال القضاء, أذكر من بينهم علي نحو خاص المستشار محمود الخضيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية حينها, لأنه طرح علي الحضور مبادرة شجاعة لمحاكمة شعبية للرئيس مبارك ووزير داخليته العادلي لما اقترفاه من اعتقال وتعذيب وتنكيل بأبناء الشعب المصري ومازلت احتفظ في أرشيفي الخاص بمحاضر التحضير لهذه المحاكمة التي لم يقدر لها أن تجري وبين هذه الأوراق مفكرة دونت فيها أهم ماقيل في احتفال التكريم. فقد كشف مكي بعد أن شدد علي ضرورة تعديل قوانين الصحافة التي تقضي بالحبس في قضايا النشر ووصفها بأنها ظالمة عن أنه قاوم الضغوط كي يحكم بالحبس علي زميلنا الصحفي بجريدة الشعب صلاح بديوي في قضية يوسف عبد الرحمن وانحرافات وزارة الزراعة في عهد يوسف والي وأنه اكتفي بالحكم بالغرامة كي لايتم إلغاء الحكم. كانت لفتة المستشار محمود مكي تجاه حرية الصحافة والصحفيين لها مغزاها في ذلك الحين حيث كان الصحفيون الأحرار والقضاة المستقلون يخوضون معركة مزدوجة مع نظام مبارك لإدخال تعديلات علي القوانين لم يقدر لها أن تنجز الاستقلال التام للقضاء أو تلغي نهائيا الحبس في قضايا النشر, وعلي الرغم من وجود نقيب غير حكومي علي رأس نقابة الصحفيين الأستاذ جلال عارف ورئيس لنادي قضاة مصر من تيار الاستقلال المستشار زكريا عبد العزيز في ذلك الحين إلا انه لم يكن مسموحا لقيادة النقابة والنادي أن تناضلا من أجل استقلال القضاء وحرية الصحافة كمعركة واحدة وبهيئة أركان مشتركة, وربما يفسر هذا الكثير من التفاصيل بشأن ضبط درجة تفاعل نقيب الصحفيين ومجلسهم مع نضال قضاة الاستقلال. ومن بين هذه التفاصيل أن يتم تكريم رموز تيار الاستقلال بمبادرة ومن جانب جماعة تتمتع بالاستقلالية داخل النقابة كحركة صحفيون من أجل التغيير وأن يكون من حظي كمنسق عام لها أن أطوق عنق المستشار محمود مكي بالورود ومعه تكريم رمزي من الحركة. لكن علي أية حال فإن مجرد هذا الاحتفال التكريمي ومعه الدعوة التي انطلقت لمحاكمة مبارك شعبيا لم يصبح متصورا أن تجري في نقابة الصحفيين بعدها وببساطة لأن نظام مبارك نجح في هزيمة تيار الاستقلال ورموزه في انتخابات نوادي القضاة اعتبارا من بداية عام2008 وفي إعادة نقيب حكومي عضو بحزبه الوطني الحاكم علي رأس نقابة الصحفيين قبلها بأشهر أي في نهاية عام2007 لكن اندلاع ثورة25 يناير2011 جاء ليثبت أن ما كان لم يكن حرثا في بحر, وهاهو المستشار محمود مكي نائبا لاول رئيس مدني منتخب لمصر.