ما إن أهلت علينا العشر الأواخر من رمضان وأوشك الشهر الكريم على الرحيل، وتبدت أنوار عيد الفطر المبارك، اكتظت الشوارع وأرصفة المساجد ووسائل المواصلات العامة بالمتسولين، وازدادت انتشارا مع قرب حلول العيد، ومبادرة الصائمين بإخراج زكاة الفطر. تراهم في كل مكان .. يلاحقونك بأساليب تختلف بحسب المنطقة ونوعية السكان... ويجددون في أفكارهم ويبتكرون طرقا جديدة كل يوم، من الصعب حصرها, استدرارا لعطف المارة وتجاوبهم. أطفال.. وسيدات ورجال بل أسر كاملة ينزلون إلي الشارع للتسول. بعضهم قد يستحق الحسنة والصدقة في ظل الظروف المعيشية المتردية والبعض الآخر يمارس الابتزاز والنصب اليومي علي المواطنين. فهذا يبيع المناديل وتلك تستجدي المارة وتركض خلفهم بإلحاح لمساعدتها. علماء الدين يحذرون من التساهل في إخراج زكاة الفطر لمحترفي التسول، ويطالبون بالبحث عن الفقراء والمساكين والمحتاجين الحقيقيين. ويطالبون بسرعة سن القوانين للقضاء على ظاهرة التسول والضرب بيد من حديد لكل من يكون له عمل، ولكنه يستسهل عملية التسول. يقول الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية، إن التسول أمر مرفوض شرعا وعرفا وقانونا، لأنه يعكس صورة سلبية للمجتمع، فقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (يأتي السائل يوم القيامة وفي وجهه نكتة سوداء) أي أنه يظهر بين الناس يوم المحشر بهذه العلامة، وأنه سأل بغير حاجة، وإنما ابتزاز لأموال الناس بغير حق، والله سبحانه وتعالى، ذكر أن أكل أموال الناس بغير حق كأكل النار، فقال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا). وحذر د. مجدي عاشور من خلق الأكاذيب، من خلال التجول في الشوارع والقرى والميادين لخلق أكاذيب وقصص عن مرضى يغسلون الكلى، أو مطالبة الناس بالتبرع لبناء مسجد أو مساعدة يتامى فليت هؤلاء المتسولين يبحثون عن أعمال شريفة تقيهم الحرج ويتمتعون بما يعرف بالخجل، وهو الحياء الذي دعا إليه الإسلام، بدلا من أن يتسكعوا في الطرقات ويمنعوا أصحاب الحوائج الحقيقيين حقهم، فالتسول ظاهرة سيئة، وخاصة أن هناك صورا جديدة استحدثت في التسول، منها الذين يطوفون في الريف، والذين يظهرون بصور مختلفة ومعهم روشتات أدوية وأنهم عاجزون عن شراء الدواء، وكل هذا غش ونصب واحتيال. والإسلام بريء من كل هذا، لأن الإسلام دين العزة والعفة، ويهيب بأبنائه أن يكونوا أعزة، لا يتذللون للمخلوق، إنما يرفعون حوائجهم إلى الله الذي خلق كل شىء وقدره. مواجهة قانونية وفي سياق متصل يقول الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن العطف على الفقراء والمساكين، أمرنا الله به، وحق لهم علينا، ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال مصارف الزكاة التي يجب أن تتولى الإنفاق عليهم، ولكن أصبحت العملية عشوائية دون تنظيم، نظرا لأن المتسولين قاموا بتوزيع أنفسهم على المناطق والجمعيات التي سجلوا أنفسهم للحصول على الزكاة منها، ونجدهم يفرضون على الناس أن يعطوهم من الصدقات أو من الأموال وهم لا يستحقون ذلك، فكثير منهم يتمتع بالقوة والصحة والعافية. وأضاف: ينبغي على الدولة أن تقف أمام هؤلاء الناس، وتمنع هؤلاء من التسول من خلال تغليظ العقوبة المناسبة لمن يفعل هذا الأمر، وأيضا ينبغي على الإعلام أن يحذر المجتمع من هؤلاء الناس، لأننا قرأنا كثيرا في الصحف أن هناك ممن يتسولون يملكون الأموال في البنوك والعقارات الكثير والكثير، كما أنه يجب على أئمة المساجد والدعاة أن يحذروا الناس من أفراد هذه الفئة الذين لا يستحقون من الأموال شيئا، لأن الشارع الحكيم حدد المصارف التي تصرف فيها أموال الزكاة والصدقة، وهؤلاء المتسولون ليسوا من هذه الأصناف، فينبغي عليهم أن يتحروا الصدقة لمن تؤخذ. من جانبه يؤكد الشيخ سعد الفقي، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة كفر الشيخ، أن الظاهرة تزداد وتتكاثر أمام المساجد الكبيرة، على اعتبار أن هذه المساجد يتوافد عليها الكثير من الرواد للتبرك بأهل البيت، وهي حرفة تجلب لهؤلاء المتسولين الكثير من الأموال دون بذل المجهود، وأصبحت وسيلة سهلة لابتزاز الناس، وهؤلاء المتسولون طاقة بشرية كبيرة ويجب على الدولة استثمارها، وهناك موظفون ولديهم أعمال بالفعل ولكنهم يحبذون التسول حول المساجد، فيجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد، خاصة إذا كان هذا المتسول له عمل آخر ويلجأ لهذا الأسلوب، كما أن هناك من المتسولين من يعملون في مجموعات منظمة تحت رعاية بعض الفتوات، ومن يعترضهم يعتدون عليه، لأنه في حماية هؤلاء الفتوات. وطالب بسرعة سن تشريع جديد لمحاسبة هؤلاء المتمردين، لأنهم يشكلون خطرا كبيرا على القادمين للصلاة. ويجب على الدولة استيعاب هذه الطاقات وتوفير فرص عمل لها بعد تدريبهم على المهن المختلفة، ومحاسبة غير الملتزمين.