ظاهرة تشوه صورة الاسلام، ألا وهي ظاهرة التسول التي تتخذ عدة أشكال خاصة مع قدوم شهر رمضان، فتارة يطرقون أبواب المنازل وتارة عند اشارات المرور بحجة البيع، والأسوأ انهم يجعلون اطفالا يقومون بهذه المهمة، ورغم وجود قانون لتجريم التسول، إلا أن الظاهرة مستمرة وخاصة في المواسم فنراها تبدأ قبل رمضان وتستمر خلال شهر الصيام، فماذا يقول رجال الدين وعلماء النفس في هذه الظاهرة؟ حرمة التسول يرى الاستاذ بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.بسام الشطي ان الاسلام غرس في نفس المسلم كراهة السؤال للناس تربية له على عزة النفس والترفع عن الدنايا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصح ذلك في صف المبادئ التي يبايع عليها صحابته ويخصها بالذكر ضمن اركان البيعة حين قال قائل: يا رسول الله انا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا، واسر كلمة خفية، قال: «ولا تسألوا الناس شيئا»، وذكر د.الشطي ادلة حرمة التسول بكل اشكاله منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»، وقال: «من سأل الناس اموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل احدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس خير له من ان يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه». العلاج ويرى د.الشطي ان العلاج العملي يتمثل في تهيئة العمل المناسب لكل عاطل قادر على العمل، وهذا واجب الدولة الاسلامية نحو ابنائها فما ينبغي لراع مسؤول عن رعيته ان يقف مكتوف اليدين امام القادرين العاطلين، اما اذا كان هؤلاء الاطفال يتسولون لعجز عائلهم عن العمل فهذا يعطى من الزكاة ما يغنيه رحمة بعجزه، كما ان الزكاة لو فهمت كما شرعها الاسلام وجمعت منحيث امر الاسلام ووزعت حيث فرض الاسلام ان توزع لكانت انجح وسيلة في قطع دابر التسول والمتسولين. وعن واجبنا تجاه الاطفال المتسولين والمدفوعين من اهاليهم، قال د.الشطي: يجب الاخذ على ايديهم ومنعهم من تلك الظاهرة والا تأخذ العاطفة والرأفة والشفقة بأولئك المتسولين، وعلينا التصدي لتلك الظاهرة المتفشية والقضاء عليها، وهناك لجان خيرية منتشرة في جميع انحاء الكويت تأخذ بيد المحتاج وتعينه على حياته. وقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأين مهمين، المبدأ الاول ان العمل هو اساس الكسب وعلى المسلم ان يمشي في مناكب الارض ويبتغي من فضل الله، والمبدأ الثاني ان الاصل في سؤال الناس، وتكففهم هو الحرمة لما في ذلك من تعريض النفس للهوان والمذلة. ويؤكد الداعية د.محمد النجدي ان الاسلام حث على الصدقات والانفاق في سبيل الله عز وجل، قال تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط واليه ترجعون)، ورغب الاسلام في تفقد احوال الفقراء والمساكين والمحتاجين، وحث على بذل الصدقات لهم، فقال تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، وقال تعالى (ان تبدوا الصدقات فنعمّا هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير)، وقال تعالى (وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)، ولا يخفى على المسلم فوائد الصدقات وبذل المعروف للمسلمين والاحسان الى الفقراء والمساكين، ولكن لابد ان يعرف الجميع ان المساجد لم تبن لجمع المال والتشويش على المصلين برفع الاصوات فيها وهم يصلون او يذكرون الله تعالى واستعطافهم من اجل البذل والعطاء بل الغاية منها اعظم من ذلك بكثير، فالمساجد بيوت عبادة المسلمين واقامة ذكر الله تعالى والصلاة واقامة المحاضرات ودروس علمية، قال تعالى (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)، فالواجب على الجميع احترام بيوت الله تعالى وحفظها من كل ما يدنسها او يثير اللغط والجدل والكلام غير اللائق بها، فليست بأماكن للكسب والارتزاق، فيحرم سؤال الناس فيها اموالهم. ناشد الضالة وزاد: واقرب ما تقاس عليه مسألة التسول في المساجد مسألة نشدان الضالة والجامع بينهما البحث والمطالبة بأمر دنيوي، فناشد الضالة يبحث عن ماله دون شبهة، ومع ذلك امر الشارع الكريم كل من في المسجد ان يدعو عليه بألا يجد ضالته، عن ابي هريرة رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا»، والمتسول اشد فإنه يطلب مال غيره، والشبهة قائمة ألا يكون محتاجا أصلا، انما يسأل الناس تكثرا والعياذ بالله، والاجدر الا يعطى عقوبة ونكالا له، والعجب عندما ترى رجلا او شابا قويا وهو يردد كلمات اعتدنا عليها يقف ويسأل وبعضهم قد اتقن هذه الصيغة وتفنن فيها بأنواع الاساليب، ومثل ذلك النساء اللاتي يأتين الى بيوت الله تعالى لممارسة الشحاذة والتسول لأن اولئك النسوة اللاتي يأتين الى بيوت الله تعالى ويدخلن مساجد الرجال ويجلسن فيها بغير صلاة وتقام الصلاة ولا يصلين، وكذلك المرأة التي لا تصلي مع النساء بل تركت الصلاة واخرتها عن وقتها من اجل ان تجمع شيئا من حطام الدنيا وحفنة من المال، وهذه مخالفة شرعية اخرى، فلا يجوز اعطاؤهم لما في ذلك من اعانة لهن على معصية الله تعالى، ومن فعل ذلك وقام باعطائهن فقد ارتكب اثما، لما في ذلك من الاعانة لهن على الباطل، والاقرار لهن على المنكر وتشجيع النساء على ارتياد اماكن الرجال وترك الصلاة. واشار د.النجدي ان وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية منعت التسول في المساجد وحسنا فعلت، ومثلها وزارة الداخلية، وقد يسر الله تعالى في هذا البلد المعطاء وجود لجان خيرية وبيت للزكاة يقصدها اهل الحاجات من الغارمين والمحتاجين والارامل وغيرها، وهي تسهل على الغني اخراج زكاته على الفقير للحصول على حاجته. أطفال الشوارع الاخصائي النفسي د.صالح الشويت يرى ان فئة الاطفال تنشط في شهر رمضان المبارك لارتباطها بمعاني الانفاق والرحمة والعطف ولتأجيج المشاعر الدينية والتنافس الشديد من اجل البذل والعطاء، وبين ان هؤلاء الاطفال معرضون لمخاطر صحية ونفسية واجتماعية كثيرة منها القلق والحقد في المجتمع والعصبية والحرمان من ابسط حقوقهم مثل اللعب مع الشعور بعدم الامان والظلم. وحذر د.الشويت من مخاطر التسول عبر السيارات من حيث الاصابات التي من الممكن ان تعرض الطفل للحوادث او الامراض الصدرية او التحرشات الجنسية اضافة الى اقسى ما يتعرض له هؤلاء الاطفال من السخرية واستغلال بعض ضعاف النفس من المارة، اضافة الى مشاكل سلوكية اخرى كالكذب والسرقة والتحايل لانعدام الرقابة الاسرية وتدني مستوى الطموح لينحصر في توفير لقمة العيش، واضاف د.الشويت ان هؤلاء الاطفال اما انهم يدخلون البلاد مع اهلهم بكروت زيارة ويقضون شهر رمضان في التسول وجمع الاموال من امام المساجد وفي الاسواق واما ان اهلهم يدفعونهم دفعا لذلك العمل رغم وجود كثير من الجمعيات الخيرية وما اكثرها في الكويت، ولفت الى انها لم تعد ظاهرة اجتماعية فحسب وانما اصبحت تخفي خلفها مخاطر امنية.