في أيام رمضان لا يختلف سلوك البشر بشكل ملموس عن غيرها من أيام, اللهم إلا اختلاف توقيتات تناول الطعام والنوم والتزاور. انظر إلي ظاهرة تكالب السيارات بعد الإفطار علي محطات التزود بالوقود مع ترقب رفع أسعاره لدرجة أن البعض يتوجه لملء خزان السيارة بشكل متكرر عند أي نقص طفيف فيه. ولا يختلف هذا السلوك عن حالة الهلع التي تنتاب بعض الصائمين مع اقتراب أذان الفجر حيث يهرعون لشرب كميات كبيرة من المياه قبل بدء صيام يوم جديد ظنا بأن ذلك سيخفف عنهم وطأة الصيام. الخوف من الحرمان..والبحث الدائم عن الأمان وراء تلك السلوكيات المثيرة للانتباه والتعاطف أيضا, فهناك من يصر علي الاحتفاظ بوظيفته الحكومية متواضعة العائد رغم عمله الخاص المجزي, تماما مثل السيدة التي تحتفظ بزوجها رغم قسوته وسوء تعامله خشية ألا تجد زوجا آخر خاصة إن كانت في سن متقدمة. وبحكم التجارب يعلم أصحاب تلك السلوكيات أن محاولاتهم للاستحواذ علي كل ما تطوله أياديهم لن تفضي سوي إلي مكاسب مؤقتة ورغم ذلك يكررونها وتبقي مكونا أساسيا لعقلهم الجمعي الذي لايقتنع بأنه بعد أذان الفجر سيصيب العطش حتما من ملأ بطنه بالمياه, وسينفد خلال أيام وقود من هرع لملء خزان سيارته! الخوف من الحرمان وليس نضوب الموارد وراء حالة الهلع التي تنتاب البعض لتحقيق أي مكاسب سريعة لأنهم يرفضون مجرد التفكير في الخسارة, رغم أن الحياة مكسب وخسارة. وأنت لن تشعر بحلاوة المكسب إلا بعد أن تذوق مرارة الخسارة, وخذ العبرة من أغني الأغنياء من بدأوا تجارتهم من الصفر, فبعضهم قد يتعمد الخسارة جلبا لمكسب أكبر قادم يتذوقون حلاوته حتي الثمالة. أما هؤلاء هواة التكالب والتخزين فلن يجلب لهم (التحويش والتكويش) سوي المزيد من الخوف من القادم, وكلما هرعوا لملء البطون والسيارات وحسابات البنوك كلما زاد خوفهم من الحرمان الذي تحول إلي ما يشبه الثقافة المجتمعية. هل تريد التخلص من خوفك؟ اتبع ثقافة الاستغناء, لو تمتلك ماتخشي خسارته, اخسره حتي لاتخاف!