جمع المولى عز وجل بين الصيام والتقوى فى ندائه العظيم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، ومعنى ذلك أن الصيام يقوم برسالة جليلة فى الطهارة الروحية والتربية الخلقية ويطالبنا بأن نفعل ما أمرنا الله به ونجتنب ما نهانا عنه ونلتزم بمنهج الإيمان الذى رسمه لنا القرآن الكريم، وبينته لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد النداء الكريم الارتباط الوثيق بين الصيام والتقوى، فالتقوى ثمرة طيبة مباركة من ثمرات الإيمان تربط سلوك الفرد بالدين، وتقود حياة المسلم، وتمسك بزمامها، وتضع أمامها منهاج حياة متوازنة ومستقرة، يدير شئون الحياة كلها بما يتفق وروح الإسلام. والتقوى طريق النجاة، وسر الخلاص ومصدر الأمن، يقول سبحانه: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” إنها هدى إلهي، وزاد روحي، وتدريب تربوي، وفى مدرسة التقوى يحظى الصائمون بالأمن والرحمة والشفاء ويسلم سلوكهم من فعل كل نقيصة، ولا تراهم فى تلك المدرسة إلا متمسكين بقانون خلقي، يستند إلى الدين، معتصمين بقيم إسلامية، وأنماط سلوكية سليمة. إن النفس الإنسانية حين تدخل مدرسة التقوى ترتبط بالله، وتقبل على الفضائل والأعمال الصالحة سعيا إلى غايات سامية للحياة الإنسانية، وربطا رشيدا بين الإيمان والعمل، وعندما يلوذ المسلم بالتقوى، ويصوم إيمانا واحتسابا يتعود على ترك المحرمات ومنكرات الأعمال والأقوال ويعظم دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى إدراك أن الصيام هو تربية الأخلاق وتقويم الإنسان وتكريم الفضائل والفرائض، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “الصيام جُنَّةٌ، فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إنى صائم إنى صائم”. إن الصائمين المتقين يقبلون على كتاب الله، ويجدون فيه النور والهدى والخير والسعادة، ولا يمكن أن يتصفوا بالكذب وخلف الوعد والغش والخيانة والنفاق والرياء والظلم والبغي. إن أيام الصيام بعيدة الأثر فى التربية والتهذيب، تربط المسلمين بربهم ربطا قويا، وفى ظل التقوى يعتصمون بالحق والعدل والأمانة والاستقامة والطهر، ويدركون أن الله يراقبهم فى كل علاقاتهم وأفعالهم، ولا يغفلون عن كل ما يطالبهم به نداء التقوى، لأنه يجلب لهم جميع ضروب الخير والمغفرة ويصلح أعمالهم ويمدهم بعون الله ونصره. ويقول سبحانه وتعالى: “إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ”.