استغلت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية مشاركتها فى مؤتمر هيرتسيليا الأمنى الذى عقد فى تل أبيب لتحذير كل من سوريا ولبنان من التورط فى الصراع الإسرائيلي/ الإيراني، وذلك بعد أن شهدت الجبهة العسكرية الشمالية تصعيداً غير مسبوق أدى إلى رفع اسرائيل درجة إستعداد وحداتها العاملة فى المنطقة الشمالية مع إستدعاء جزئى لبعض وحدات الاحتياط، بالتوازى مع تنفيذ عملية عسكرية شملت قصفا جويا وصاروخيا لمعظم المواقع والأهداف العسكرية الإيرانية فى أعنف قصف إسرائيلى داخل العمق السورى منذ حرب أكتوبر 1973، وذلك رداً على إطلاق الميليشيات الموالية لإيران نحو عشرين صاروخاً قصير ومتوسط المدى على مراكز الإنذار المبكر ومواقع التنصت اللاسلكى والتشويش الإسرائيلية فى شرق هضبة الجولان المحتل، حيث نجحت منظومات الدفاع الجوى للجانبين فى التصدى لجزء من تلك التهديدات، وسط مخاوف من انتقال تداعيات هذا التصعيد سواء للأراضى اللبنانية، أو قطاع غزة حال اشتراك القوى الموالية لإيران ( حزب الله - الجبهة الشعبية/ القيادة العامة - الجهاد الإسلامى الفلسطينى - حماس ...) فى تلك العمليات لتخفيف الضغط على النشاط الإيرانى بالساحة السورية، وتوسيع دائرة المواجهات لخدمة الموقف الإيراني. ورغم محاولات النظام الإيرانى الإيحاء بقدرته على تدمير القدرات العسكرية لإسرائيل ووضع الأهداف الحيوية الإسرائيلية التى تتركز غالبيتها فى شريط ضيق بمنطقة السهل الساحلى من حيفا إلى أشكلون فى مرمى الصواريخ الإيرانية، إلا أنه بمقارنة قدرات الدولة الشاملة للطرفين الإسرائيلى والإيرانى يتضح تفوق إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصاديا فى ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية فى العديد من المدن الإيرانية اعتراضاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية وتصاعد نفوذ التيارات الدينية المتشددة الرافضة لسياسات الإصلاح التى تتبناها حكومة حسن روحاني، لاسيما مع امتلاك إسرائيل لمنظومة دفاع ضد الصواريخ متعددة النطاقات ، والتى تتمتع بإمكانية التعامل مع الصواريخ الإيرانية بمختلف مدياتها. وقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلى خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسى بوتين إبراز المخاوف الإسرائيلية من تعزيز وجود العسكرى الإيرانى فى سوريا، لاسيما مع استغلال إيران الوجود تنظيمات شبه عسكرية موالية لها على الساحة السورية لفتح جبهة ثانية فى الجولان ضد إسرائيل، وتحسبها من سعى سورياوإيران لمكافأة حزب الله على دوره فى مساندة النظام السورى بتمكينه من الحصول على أسلحة متطورة، فضلاً عن تحفظ الجيش الإسرائيلى على اعتزام النظام الروسى إمداد القوات السورية بمنظومة الدفاع الجوى المتطورة (إس -300) للحد من حرية عمل القوات الجوية الإسرائيلية فى الأجواء السورية، ومنعها من مواصلة الغارات التى تستهدف عمليات نقل الأسلحة الإيرانية المتطورة لحزب الله، والحصول على ضمانات روسية بمراعاة مشاغل إسرائيل الأمنية، والتنسيق المشترك بشأن الأنشطة الجوية والبحرية التى يتم تنفيذها. وعلى الجانب المقابل عكست نتائج اجتماعات نيتانياهو وبوتين، وكذا ردود الفعل الروسية على تبادل القصف الصاروخى بين إسرائيل وإيران على الساحة السورية، حرص موسكو على الإيحاء بوقوفها على مسافة واحدة من طرفى النزاع، واستغلالها للتحول الإستراتيجى الذى تشهده المنطقة نتيجة تراجع الدور الأمريكي، وامتلاكها بعض أدوات التأثير على القوى الإقليمية المناوئة لإسرائيل (سوريا - إيران) لاستعادة نفوذها والحفاظ على مصالحها الحيوية فى الشرق الأوسط، مع محاولة تقويض نفوذ إيران فى ظل عدم ارتياحها لتعاظم الدور الإيرانى فى سوريا وسيطرتها الكاملة على النظام السوري، بشكل يمكن أن يؤثر على مساحة الدور الروسى فى سوريا مستقبلاً، بالتوازى مع ربط استئناف عمل اللجنة العسكرية الإسرائيلية / الروسية المشتركة ( آلية عسكرية تم الاتفاق عليها خلال لقاء بوتين مع نيتانياهو بموسكو يوم 21/9/2015 برئاسة نائب رئيس الأركان فى البلدين ) المعنية بتنظيم قواعد الاشتباك وتحديد مناطق العمليات فى سوريا، لتفادى حدوث مواجهات غير محسوبة نتيجة سوء الفهم، بمدى تجاوب إسرائيل مع متطلبات تحقيق أهداف السياسة الخارجية الروسية فى الشرق الأوسط. من المستبعد تطوير إسرائيل عملياتها العسكرية ضد مظاهر الوجود العسكرى الإيرانى على الساحة السورية لتصل إلى صورة الحرب الشاملة، فى ظل ما أظهرته نتائج القصف الصاروخى على أهداف عسكرية فى الجولان المحتل من ضعف فى استعدادات الجبهة الداخلية لمواجهة خطر الصواريخ الإيرانية، وبما سيجعل من ملف تطوير القدرات الصاروخية الإيرانية، وكذا مواجهة التدخل السلبى الإيرانى فى بعض دول الإقليم عنصراً حاكماً فى الموقف الأمريكى والغربى من العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني، لاسيما مع رهان القوى الإقليمية والدولية على حدوث تفاعل داخلى فى إيران يدفع نحو إنهيار نظام الملالي، مع ترجيح مشاركة تلك القوى فى إثارة المعارضة الإيرانية فى الداخل والخارج لإسقاط النظام الإيراني.
عضو مركز الدراسات الإسرائيلية لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود