مع اقتراب نسمات الربيع العربي من سوريا إيذانا بانهيار وشيك لنظام الأسد البعثي عقب عام ونصف من ثورة الشعب ضده, بدأ النظام المتداعي يفكر في السيناريو البديل للخروج بأقل الخسائر وحتي لا يلقي مصير بن علي ومبارك والقذافي, خاصة بعد الضربة القاصمة التي تلقاها بتفجير مبني الأمن القومي بدمشق أثناء اجتماع خلية الأزمة التي تضم صقور النظام والدائرة المقربة من بشار والذي أودي بحياة وزير الدفاع داود راجحي ووزير الداخلية محمد الشعار ورئيس المخابرات آصف شوكت صهر بشار ورئيس خلية الأزمة حسن تركماني, بالإضافة إلي زيادة وتيرة الانشقاقات في صفوف الجيش وكبار المسئولين والبعثات الدبلوماسية. والسيناريو البديل الذي بدأ تنفيذه بالفعل بالتزامن مع سياسة الأرض المحروقة والقتال الضاري الذي يشنه النظام علي الشعب الأعزل حتي النهاية هو إقامة دولة للطائفة العلوية النصيرية التي ينتمي لها الأسد والتي تحكم سوريا تحت ستار حزب البعث علي الشريط الساحلي الاستراتيجي لسوريا علي البحر المتوسط تكون عاصمتها اللاذقية في حال فشلت المساعي الدولية لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية, إما بإجراء مصالحة بين جميع الأطراف بما يضمن بقاء الأسد علي رأس السلطة, أو بتأمين خروج آمن لبشار علي غرار ما حدث مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, وهو ما بدأ يتلاشي مع إعلان كوفي أنان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية لسوريا استقالته, بما يعني فشل جهود المصالحة والمساعي السلمية, وهو بهذا السيناريو المحتمل يبعث برسالة مفادها إما أنا ونظامي مع ضمان سوريا موحدة وإما رحيلي وتقسيم البلاد إلي دويلات علي أساس طائفي, ويري فابريس بلانش المحلل الفرنسي لشئون الشرق الأوسط أن بقاء الأسد مسيطرا علي العاصمة يعني بقاءه محتفظا بالسلطة وأن نقل القوات من الجولان والحدود العراقية للعاصمة والمخاطرة بكشف هاتين الجبهتين يظهر أن تركيزه ينصب علي الاحتفاظ بموقعه حتي النهاية وفي حال فقدان السيطرة علي دمشق فإن الأسد يعتزم اللجوء إلي الأقلية العلوية. وفكرة إقامة دولة للعلويين ليست بالجديدة حيث تعود إلي فترة الانتداب الفرنسي علي سوريا في عشرينيات القرن الماضي عقب سقوط الدولة العثمانية حينما أعطت فرنسا للطائفة العلوية حكما ذاتيا عام1923 لكنها لم تدم كثيرا وعادت للانضمام لسوريا مجددا عام1936, والعلويون فرقة من غلاة الشيعة يمثلون نحو8% من الشعب السوري البالغ تعداده23 مليونا معظمهم من السنة, وهم برغم كونهم أقلية إلا أنهم يسيطرون علي مقاليد الحكم منذ وصول حافظ الأسد لسدة الرئاسة عام1970 عقب انقلاب عسكري الذي عمل منذ توليه السلطة علي اتخاذ جميع الترتيبات لتحويل المنطقة الساحلية إلي ملاذ آمن للعلويين إذا ما دعت الحاجة حيث تتميز المنطقة بغناها زراعيا وبدفاعات عسكرية بفضل القواعد العسكرية المنتشرة بالجبال وبوجود جميع مقومات الدولة, ويتجمع معظم العلويين في سلسلة الجبال الساحلية الممتدة من عكار جنوبا إلي جبال طوروس شمالا. وفي سبيل التحضير لهذا السيناريو قام النظام البعثي الحاكم باتخاذ سلسلة من الإجراءات والخطط إذا ما انهار ولم يستطع الصمود في وجه الثورة الشعبية منها هجرة العائلات العلوية من جميع أنحاء البلاد نحو المناطق الساحلية حيث قام أركان النظام بنقل أسرهم هناك خاصة بعد تفجير دمشق, وقصف الجيش للمدن الساحلية خاصة حمص وطرطوس بضرواة وارتكاب مجازر تطهير عرقي بحق سكانها غير العلويين وتهجيرهم قسرا لإحداث التجانس في التركيبة السكانية كان نتيجتها سقوط آلاف القتلي ونزوح عشرات الآلاف, كما قام النظام بنقل الأسلحة الثقيلة والصواريخ والأسلحة الكيماوية وجزء كبير من الذهب والاحتياطي النقدي بالبنك المركزي إلي هناك. وهذه الدولة المحتملة إذا ما قامت فإنها سوف تلقي الدعم من بعض الدول, فإيران التي لديها الرغبة بلعب دور فاعل لتحقيق مصالحها في المنطقة سترحب بدولة شيعية تساعدها في بسط هيمنتها علي المنطقة العربية عامة والخليج العربي خاصة بجانب ورقة شيعة الخليج وتدعمها كي تضغط علي دول المنطقة اقتصاديا لتتحكم في تصدير منتجاتها النفطية ومن ثم تسلبها حريتها السياسية كما استخدمت نظام الأسد وحزب الله بلبنان تحت مسمي مقاومة العدو الصهيوني, وبالنسبة لروسيا التي تحلم باستعادة عرش الاتحاد السوفيتي من خلال القطب الدولي الجديد المتشكل منها مع الصين وإيران فستدعم تلك الدولة إرضاء لإيران لوضع يدها علي الكنز الإيراني المتعطش للقوة النووية وفرض إرادتها علي المجتمع الدولي وظهر ذلك جليا في وقوفها ضد أي إدانة لنظام الأسد لإبراز حضورها حتي لو كان الضحية الشعب الأعزل, كما أن هذا الدعم سيجعلها تظل محتفظة بقاعدتها العسكرية في طرطوس, ويحرم الخليج من تصدير الغاز والمواد البترولية لأوروبا بطريقة أقل كلفة بما يخدم روسيا لتبقي متحكمة بالجزء الأهم بالنسبة لها من العالم ألا وهو أوروبا. أما إسرائيل فستكون الفائز الأكبر من إقامة تلك الدولة المزعومة حيث سيعطي الجدل والنزاع الدائر حولها الفرصة لإسرائيل لإنجاز مهمة تهويد القدس وفصل غزة عن القطاع نهائيا وإغلاق ملف الجولان, كما تمهد الطريق لإسرائيل لإعلان نفسها دولة يهودية أسوة بالدول القائمة علي أساس ديني كالدولة العلوية, والدولة الكردية التي ستستغل الفرصة لتعلن نفسها في الشمال الشرقي من سوريا والأهم تمزيق المنطقة لدويلات صغيرة لا تستطيع تهديد الكيان الصهيوني. فهل يستطيع الأسد تنفيذ هذا المخطط وانتزاع الاعتراف بدولته المحتملة؟ وهل يمكن لهذه الدولة أن تقوم وسط محيط سني؟