كثيرون كانوا على علم بما سيفعله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن الاتفاق النووى الإيراني، فهناك سيناريو بعينه هو الأقرب إلى التنفيذ منذ فترة طويلة. قبل ساعات من قرار ترامب مساء أمس، اجتمعت العوامل وحوافز الدفع فى اتجاه واحد من سيناريوهين أمريكيين، أولهما خروج ترامب بإعلان انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاقية النووية. فمبدئيا، ترامب كان واضحا فى موقفه الرافض المنتقد للاتفاقية حتى من قبل توليه الرئاسة، وواقع الأحداث - سواء راق هذا للبعض أم لا - يؤكد أن الرئيس ترامب ظل على وفائه بتعهداته الانتخابية، ما تحقق فعليا أو تحقق محرفا ولو بقدر، أو ما زال يعمل على تحقيقه رغم العوائق الدبلوماسية والإجرائية. فخلال مؤتمره الصحفى مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون نهاية أبريل الماضي، وصف ترامب الاتفاق النووى بأنه «مجنون» و«سخيف»، فى تكرار لأوصاف سكبها سكبا فوق رأس الاتفاق ومواليه، بمعنى آخر، فإن النيل من الاتفاق يعتبر جزءا من برنامجه الانتخابى وسياسته «الترامبية» - سياسة « الرجل القوي» المتصادم - التى تستهدف من جانب النيل من إرث سلفه الديمقراطى باراك أوباما، واتفاقية 2015 تعتبر «درة التاج» بالنسبة لسنوات الرئيس السابق، والحفاظ من جانب آخر على رضا الجمهوريين ومعهم التيارات المتشددة إزاء إيران فى أوساط المجتمع الأمريكي. ويضاف إلى ذلك منطق ترامب الرافض للاتفاق والذى لا يقوم أبدا على الجدلية المحدودة بمدى التزام إيران ببنود الاتفاق من أوامر ونواه، فأحد مسئولى الخارجية الأمريكية أكد فى شهادة أمام الكونجرس أخيرا أن إيران تلتزم بالاتفاق كما هو. ويقوم المنطق، فى المقابل على «نسف» الاتفاق من الأساس وجعل قضيته جزءا، مجرد جزء، من شبكة معقدة من القضايا التى تستهدف الإمساك بخناق إيران حتى إزهاق النظام الحاكم هناك. فالرفض الترامبى يقوم على نقض قصور الاتفاق عن تضمين بنود واضحة حول برنامج طهران للصواريخ الباليستية، وحول نشاط طهران الداعم للجماعات المسلحة فى اليمن وسوريا ولبنان. والأهم، أن حتى استهداف برنامج إيران النووي، لا يبدو متحققا بفضل الاتفاقية، فهناك ما يعرف ببنود «الغروب» والتى تمنح الحرية لطهران بالعودة إلى جانب كبير من أنشطتها النووية بحلول عام 2025. ولا يهتز هذا المنطق كثيرا أمام بعض الآراء المحذرة من التأثير السلبى للانسحاب الأمريكى من الاتفاق الإيرانى على مجريات قمة ترامب مع نظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون، أو تلك المتخوفة من تراجع التأثير الأمريكى على مجريات الشأن الإيرانى إذا ما تم الانسحاب. ففيما يخص التحذير، يرى ترامب وبطانته أن التجربة الإيرانية ستكون تمهيدا إلى اتفاق محكم وحاسم وناجح، عن حق، فيما يخص البرنامج الكورى الشمالي. وفيما يخص التخوف، فالولاياتالمتحدة لم تدفع بشركاتها دفعا إلى قلب إيران عقب 2015 كما فعلت بعض الدول الأوروبية، كما أن عودة عقوبات واشنطن إلى طهران يعنى استمرار تأثير ونفوذ أمريكى لا يمكن تجاهله حاضرا ومستقبلا فيما يخص إدارة الشأن الإيراني. كما أنه وكما تم الإشارة سابقا هناك اعتزام أمريكى إلى العمل - نجحت أم لم تنجح - على أن يكون البرنامج النووى «مسمارا» ضمن خطة أكبر بالنسبة لإيران، فهناك ربط لمسألة الاتفاق النووى بمشروع تغيير النظام فى إيران، فرودى جولياني، عمدة نيويورك السابق والمنضم حديثا إلى فريق ترامب القضائي، ربط بشكل واضح خلال مؤتمر ما يعرف بالمنظمة الإيرانية - الأمريكية والتى تحتفى بمعارضى نظام طهران فى الخارج، بين اعتزام ترامب التخلص من الاتفاق النووى وبين توجهاته لتغيير النظام فى طهران قائلا : « لدينا رئيس قوي.. لدينا رئيس ملتزم بتغيير النظام»، مما يعنى الاقتراب من خطة «ربيع» إيران على غرار ربيع الشرق الأوسط. والمتلازمة ذاتها كانت حاضرة فى تصريحات سبق وأدلى بها مستشار الأمن القومى جون بولتون الذى قال لمحطة « فوكس» إن إدارة ترامب ملتزمة بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران و«بالتشجيع على تغيير النظام» هناك. ويستقوى المنطق بتوافر قاعدة الدعم وفريق «الثقة» المؤيد، ويقصد بقاعدة الدعم أفواج الجمهوريين، تحديدا التيار المتشدد، داخل الكونجرس والمؤسسات الأمريكية المختلفة والذين وصفوا الاتفاقية عند إبرامها فى 2015 بأنها «هشة»، وأصبحوا من أشد الداعمين لترامب فى مساعيه حاليا مثل كيفين ماكارثى زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الذى أبدى مباركته لمواجهة الرئيس لإيران. فحتى المتوجس من خيار الانسحاب وتأثيره على النفوذ الأمريكى مثل الجمهورى ماك ثورنبيري، رئيس لجنة مجلس النواب العسكرية، يعترف بأن الاتفاق «كان سيئا من البداية» كما أورد موقع «بلومبيرج» الإخبارى فى تقريره. وهناك أيضا اكتمال فريق «الثقة» ، فمستشار الأمن القومى بولتون أكد أن العقوبات عائدة لإصلاح ما وصفه ب «الفشل الاستراتيجي» المتمثل فى الاتفاق الإيرانى.