ربما أتاحت الفوضي النسبية المصاحبة ل' الربيع العربي' في عدد من الدول العربية, الفرصة لتنظيمات' السلفية الجهادية' لكي تجد لنفسها موطئ قدم في تلك الساحات. حيث أتاح عدم استقرار الأنظمة الجديدة, وتفكيك أجهزة الأمن( أو إصابة بعضها بالشلل المؤقت) مجالات مفتوحة وفرت مخبأ ونشاطا لتلك الخلايا, لاسيما مع الإفراج عن بعض أو كل سجنائها. وفي سيناء, أدي فتح مخازن أسلحة الجيش الليبي إلي انتعاش مسارات تهريب السلاح عبر صحاريها إلي قطاع غزة, والأرجح أن تنظيمات السلفية الجهادية قد حازت جراء ذلك علي التسليح الذي يمنحها فرصة العودة لإستئناف نشاطها من جديد. والمتأمل في مقطع الفيديو الذي بثه تنظيم' مجلس شوري المجاهدين السلفي- أكناف بيت المقدس' المتواجد في سيناء, ليعلن من خلاله تفاصيل عملية استهداف الدورية الاسرائيلية يوم18 يونيو2012 علي الحدود بين مصر واسرائيل, يدرك أن سيناء أضحت الساحة الأهم لمثل تلك التنظيمات لكي تمارس نشاطها. فمن ناحية يعد هذا الفيدو الثاني من نوعه, منذ أحداث الثورة, حيث سبق لتنظيم الجهاد أن أذاع في مقطع آخر تفاصيل عمليات تفجير خطوط الغاز المصدر لإسرائيل. ومن ناحية أخري فإن الدافع الأساسي وراء تشكيل' مجلس شوري المجاهدين أكناف بيت المقدس' يتمثل( بحسب ما ورد في الفيديو المذكور) في فتح جبهة جديدة مع إسرائيل من خلال الحدود المصرية. ومن ناحية ثالثة فإن نجاح' عملية إيلات' في أغسطس2011, والتي أظهرت قدرة تلك التنظيمات علي تنسيق عمليات مشتركة بين مجموعات فلسطينية ومصرية, قد يغري تلك التنظيمات بتكرار تلك التجربة في المستقبل. وما يعنينا هنا في سياق كهذا, هو ما أوردته صحيفة الحياة اللندنية(7/22) علي لسان مسئول رفيع في حركة' حماس' من تصريحات ذكر فيها أن:' العلاقة مع مصر الجديدة تقوم علي توازن الحاجات, فقطاع غزة في حاجة الي معبر تجاري مع مصر, ومصر في حاجة الي من يحفظ أمن الجبهة الشرقية'. حيث تفيد تلك التصريحات بأن حماس تلوح للأجهزة المعنية في القاهرة ب' ورقة التعاون الأمني' في سيناء( بالنظر إلي علاقاتها التي نسجتها مع بعض البدو, وربما معرفتها الدقيقة بخريطة التنظيمات المسلحة هناك) مقابل تلبية القاهرة لمطالب حماس المتعلقة بتحويل معبر رفح إلي معبر تجاري بدلا من كونه معبر أفراد وفقط, بالإضافة إلي تسهيلات أخري تقدمها القاهرةلغزة تخص قطاع الكهرباء والطاقة, فضلا عن سياسات مغايرة تخص عبور الأفراد من وإلي القطاع عبر مصر. ورغم أن القاهرة ليست معنية بالتجاوب مع بعض تلك المطالب, لاسيما تلك التي من شأن تقديمها المساهمة في خلق كيان خاص في القطاع( وتفضل بدلا من ذلك العودة مرة أخري إلي مسار المصالحة) إلا أن ثمة ما يرجح إقدام حماس علي التعاون الأمني مع مصر بدرجة أو بأخري, رغم عدم تلبية القاهرة لكل شروطها, والسبب في ذلك ما يلي: أولا: في السابق حرصت حركة حماس في غزة علي تواجد محسوس لتلك التنظيمات المسلحة, ولكن وفق معادلة أمنية تبقيها دائما تحت السيطرة. حيث أجادت حماس استخدام تلك التنظيمات في إدارة المعركة حول شروط التهدئة مع إسرائيل. وفي ذات الوقت حاولت حماس, من خلال التواجد المحسوس لتلك التنظيمات, لفت أنظار الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي إلي أنها أي حماس- تبدو بديلا أو شريكا اكثر مسئولية, ويمكن الإعتماد عليه مقارنة بتلك التنظيمات التي لا تمكنها رؤيتها الفقهية الخاصة من النظر إلي العالم خارج نطاق رؤيتها الأيديولوجية الضيقة. الآن وفي ظل أجواء' الربيع العربي' التي منحت نفوذا سياسيا متزايدا لتيار وتنظيمات الإخوان المسلمين في المنطقة, باتت حماس( بنسب مختلفة بين قيادييها) تقدم اعتبارات نجاح تجربة إخوان مصر في الحكم وإستتباب تلك التجربة, علي أي اعتبارات أخري. ومن ثم, فإذا كانت مصلحة الإخوان في مصر تقتضي الآن الحرص علي عدم الإتيان بكل ما من شأنه أن يؤدي إلي تسخين' جبهة غزة' حتي لا يتسبب ذلك في حرج مبكر لهم, فالأرجح أن تتجاوب حماس مع تلك الحاجة الإخوانية. كذلك إذا كانت طبيعة المرحلة الانتقالية في مصر, وتعقيدات العلاقة بين الإخوان والمجلس العسكري, تقتضي الحرص علي عدم الإخلال بمعادلة' السلام الهش' مع إسرائيل( التي قد تستفزها العمليات عبر الحدود مع مصر) فالأرجح كذلك أن تسعي حماس للإضطلاع بدور لا يجعل منها عبئا علي التنظيم الأم في مصر. ومن يدري فلعل الإخوان( بعد وصولهم إلي مؤسسة الرئاسة) يحاولون, بالتنسيق مع حماس, إدخال تعديلات علي طبيعة الآلية الخاصة بالعمل علي استمرار التهدئة بين غزة وإسرائيل,التي ظلت معتمدة لفترة طويلة. حيث اعتاد رجال المخابرات المصرية علي الإضطلاع بهذا الدور من خلال تكثيف الاتصالات مع الطرفين في أوقات الأزمات, لاحتواء التصعيد المتبادل والعودة مرة أخري إلي الالتزام بالتهدئة. الآن قد يسعي الإخوان إلي الدخول علي خطوط ومسارات تلك الآلية, من خلال انتداب شخصية إخوانية تتولي مهمة الاتصالات بحركة حماس, وفي ذات الوقت تقوم بعد ذلك من خلال منسق أمريكي( علي غرار تجربة الجنرالين دايتون وفريزر في الضفة الغربية) بنقل الرسائل إلي الطرف الإسرائيلي. وبذلك تكون تلك الخطوة بمثابة محاولة إخوانية للإضطلاع بدور أكبر في هذا الملف, علي حساب الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية والأمنية في مصر. وفي ذات الوقت خطوة جديدة لإظهار الحرص والقدرة علي تحقيق الاستقرار, أمام الإدارة الأمريكية التي تتابع الآن عن كثب كل ممارسات الإخوان. ويصعب في سياق كهذا التنبؤ بردة فعل المجلس العسكري علي خطوة كهذه من قبل الإخوان, ناهيك عن تجاوب أو عدم تجاوب كل من واشنطن وتل أبيب مع تلك الآلية الجديدة المفترضة. والأهم من هذا وذاك, ردة فعل الجناح العسكري لحماس, علي خرق إسرائيل لشروط تهدئة,جاءت هذه المرة علي أيدي الجماعة الأم في القاهرة؟! ثانيا: أن حماس تمثل, في المرحلة الراهنة,الاستثناء الوحيد بين تنظيمات الإخوان المسلمين التي لم تحظ حتي اللحظة بقبول الغرب أو اعترافهم بها. وقد يشكل هذا الاستثناء دافعا لحماس نحو المزيد من إظهار الاعتدال, علها بذلك تحصل ذلك الإعتراف, لاسيما وأن تعاون حماس علي صعيد ضبط نشاط عناصر السلفية الجهادية, غير مكلف سياسيا إذا قورن بشروط الرباعية الدولية, كالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف. ثالثا: أن أجواء' الربيع العربي' بقدر ما جلبت مكتسبات لحماس, بقدر ما وضعت أمامها تحديات من نوع جديد. ففي السابق مكنت البيئة الأمنية الصعبة والمعقدة التي تعمل فيها تنظيمات السلفية الجهادية, حركة حماس من إمكانية أن تبقي علي نشاط تلك الجماعات تحت سيطرتها. أما الآن فحالة السيولة التي تجتاح الإقليم ككل, فضلا عن الظرف الإنتقالي الذي تعمل فيه العديد من الأجهزة الأمنية في المنطقة, قد لا تمكن حماس من الإبقاء علي ذات المعادلة القديمة في علاقتها بتلك التنظيمات, لا بل قد تشجع الأخيرة علي أن تشب عن الطوق لتراكم بمرور الوقت من فائض القوة والقدرة لديها, علي النحو الذي قد يجعل منها منافسا أيديولوجيا شرسا لحماس ولتنظيمات الإخوان في المنطقة. وبناء علي ذلك فإن العمل علي إحتواء تلك التنظيمات لا يشكل مصلحة مصرية وفقط, بل وأيضا فائدة لحماس والإخوان معا. ويبقي في النهاية الإشارة إلي أن مسار هذا التعاون الأمني المفترض, يظل مرهونا بمسارات التجربة الإخوانية في مصر, وكذلك بالخيارات التي ستفضلها مؤسسة الأمن القوي, للتعامل مع المعضلة الأمنية في سيناء.إذ قد لا تفضل تلك الأجهزة خيار التعامل مع حماس, تقديرا منها بأن خيارا كهذا قد يفتح عليها بابا واسعا لتحديات من نوع جديد.