تعرفت عليها عندما كنت طالبا بجامعة القاهرة, وفى بداية الأمر بهرتنى ابتسامتها الساحرة, ثم اكتشفت أنها فتاة رائعة، فصممت على الارتباط بها، وبجهد جهيد أقنعتها بضرورة التفكير بجدية فى مستقبل حياتنا معا, فوافقت على طلبى بشرط ألا تتعدى حدود علاقتنا أسوار الجامعة, وفى تلك اللحظة بدأت أجمل قصة حب عرفتها كلية الحقوق وقتها, فشهد عليها وباركها الأصدقاء والأساتذة والزملاء، وتقدمت لأسرتها طالبا يدها فاشترطت علىّ والدتها أن أحصل على تقدير يؤهلنى للعمل فى السلك الجامعى، ولما لم أحصل عليه عارضوا زواجى من ابنتهم, فاستعنت بأستاذ لى فى الجامعة للتوسط لإتمام ارتباطى بفتاتي, ونجح بالفعل فى هذه المهمة الصعبة، وعينت باحثا بإحدى الوزارات, وأعلنا الخطبة ثم تزوجنا, وبعدها بعامين تخرجت زوجتى وتم تعيينها فى إحدى الجهات, ورزقنا الله بابنتنا الأولي, وسافرت إلى دولة خليجية عملت بها فى نفس وظيفتي, ورزقنا الله بابنتنا الثانية، واستمررنا فى الغربة عدة سنوات ثم عدت إلى مصر واستقلت من وظيفتى وعملت عملا حرا، وكذلك زوجتى، وافتتحت مكتبا خاصا كان هو السند الحقيقى لنا فى الحياة, واستفدت منه ماديا وفنيا, الأمر الذى انعكس على أدائى المهنى فى وظيفتى, وسارت بنا الحياة هادئة ومستقرة. ومرت الأيام وتخرجت الكبرى ثم نالت الماجستير فى إدارة الأعمال, وتبعتها أختها، وتزوجت الاثنتان من شابين صالحين, وأنجبتا أربعة احفاد. وتوالت السنون ودخلت أحد المستشفيات لإزالة المرارة, ثم أصبت بالسكر, ودخلت المستشفى مرة أخري, فاكتشفت منذ الليلة الأولى لى به أن حبيبتى تحمل لى فى وجدانها حبا يصعب على أى إنسان أن يتصوره مهما بلغ به الخيال, حيث لاحظت عليها توترا وحزنا شديدا وقلقا باديا على وجهها, وتركت عملها وظلت إلى جوارى أسبوعين كاملين, لدرجة أننى شككت فى أننى مريض بمرض لن أشفى منه أبدا, وكثيرا ما لاحظتها تدعو الله لى بالشفاء, وقد فاضت عيناها بالدمع ووجدتنى أجهش بالبكاء ولم أستطع أن انطق بكلمة واحدة، وخرجت من المستشفى وواصلنا حياتنا ونحن على خير ما يرام. ومنذ ما يقرب من عام شعرت بآلام رهيبة فى صدرى فزرت الطبيب الذى نقلنى إلى المستشفى حيث اظهرت التحاليل والأشعات اننى أصبت بجلطة فى الشريان التاجى الأمر الذى استدعى التدخل الجراحي, وعمل دعامة به, وبدأت فى تناول الأدوية، ولم تفارقنى زوجتى لحظة, ومازالت حريصة على التعرف يوميا على حالتى الصحية مع الأطباء. إننى مدين لها بعمرى وأدعو الله أن يعطيها من فضله بقدر ما يحمله قلبها الكبير من حب لى ولإبنتينا وأحفادنا. ولكاتب هذه الرسالة أقول: معك كل الحق فى أن الحب الحقيقى المنزه عن الأغراض والمصالح الشخصية يفعل المعجزات, وأن ضيق ذات اليد فى بداية الحياة الزوجية هو نفسه مفتاح الباب الملكى العالى لسعة الرزق ورغد الحياة إذا استمر الحب بين الزوجين, وإذا أنكر كل منهما ذاته أمامه, وإذا ضحى من أجله دون أن ينتظر منه ردا لهذه التضحية، وكلما قويت العلاقة بين الزوجين زادت قدرتهما على مواجهة الأنواء والأعاصير, وتمكنا من الابحار فى سفينة الحياة، أما إذا كانت علاقتهما هشة، فإن مصيرها المؤكد هو الفشل والانفصال وتشريد الأبناء ومكابدة الآلام. إن شدائد الحياة يا سيدى تبين المعدن الأصيل للزوج والزوجة، فيتحمل كل منهما المتاعب من أجل الآخر, وهذا هو ما أظهرته زوجتك على مدى ما يقرب من أربعين عاما عاشتها معك بكل كيانها وجوارحها, ولم تتخيل أبدا أنها ستراك طريح الفراش ففاضت عيناها بالدموع، وهى تتذكر أيام الشباب والجامعة، وهذا هو الحب الحقيقى الذى يدوم مع زيادة المصاعب ومرور السنين، فهنيئا لك بزوجتك الرائعة، وأسأل الله أن يديم محبتكما، وأن ينير لكما مصباح الحياة لكى تستكملا معا فصول قصتكما الجميلة.