بعد قبول الطعن على وضعه ب«قوائم الإرهاب».. هل يحق ل أبوتريكة العودة إلى القاهرة؟    وزير التعليم: حريصون على بذل الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي القدرات الخاصة    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    الحصاد الأسبوعي لوزارة التعاون الدولي.. مشاركات وفعاليات مكثفة (إنفوجراف)    اليوم ختام رايز أب 2024 بحضور رئيس الوزراء    «مستقبل وطن»: إدانة مصر للممارسات الإسرائيلية أمام المحكمة الدولية خطوة لحل القضية    حزب الله: استهدفنا تجمعا لجنود الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة راميم بمسيرة هجومية    إجلاء آلاف الأشخاص من خاركيف وسط مخاوف من تطويق الجيش الروسي لها    إعلام عبري: تفكيك كابينت الحرب أقرب من أي وقت مضى    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    عودة صابر وغياب الشناوي.. قائمة بيراميدز لمباراة الإسماعيلي في الدوري    «شكرا ماركو».. جماهير بوروسيا دورتموند تودع رويس في مباراته الأخيرة (فيديو)    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    بوروسيا دورتموند يتفوق على دارمشتات بثنائية في الشوط الأول    قرار مهم من محافظ المنوفية بعد تداول أسئلة مادة العربي للشهادة الإعدادية    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    «القومي للمرأة» يشارك في افتتاح مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    صابرين تؤكد ل«الوطن»: تزوجت المنتج اللبناني عامر الصباح منذ 6 شهور    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    وزير الصحة: «الذكاء الاصطناعي» لا يمكن أن تقوم بدور الممرضة    جامعة طنطا تقدم الرعاية الطبية ل6 آلاف و616 حالة في 7 قوافل ل«حياة كريمة»    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    وزير الرياضة يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراه ب"آداب المنصورة"    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
زيارة إلى السيدة الغامضة !
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2018


تلقيت فى بريدى هذا الأسبوع الرسالة التالية:
«سبحانك اللهم وبحمدك، أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالاستجابة، اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلنى إلى عدو يتجهمنى، أم إلى قريب ملكته أمرى؟ إذا لم تكن ساخطا علىّ، فلا أبالى غير أن عافيتك أوسع لى».. أستهل رسالتى بهذا الدعاء قبل أن أروى لك مشكلتى، فأنا سيدة أقترب من سن المعاش، وزوجى فى السبعين من عمره، ورزقنا الله بثلاث بنات هن قرة عينىّ، وأتمنى أن تقف بجانبى، كما أقف بجوار كل من يدق بابى من الأيتام والفقراء والغارمين دون أن يشعر أحد، فالأمر بينى وبين الله عز وجل، والحكاية أن ابنتى الكبرى تقدم لخطبتها شاب يعمل محاسبا، وكانت وقتها فى الصف الرابع بكليتها، وكان عمرها واحدا وعشرين عاما، ولما سألنا عنه عرفنا أنه هادئ الطباع، ويتمتع بخلق حسن، وأثنى عليه كل من سألناهم عنه، فوافقنا على خطبة ابنتنا له، وأقمنا حفلا حضره الأهل والأصدقاء، وكان يعيش مع أمه وأخت أصغر منه، واستفسرنا منه عن السكن الذى سيجمعه بابنتنا، فأبلغنا أنه سينتقل إلى شقة مستقلة عن أمه على أن يتردد عليها لرعايتها ومتابعة أحوالها، فشجعناه على بره بها، ومع مرور الأيام، وفى أثناء زيارتنا الأولى لأمه أنا وابنتى لاحظنا عليها حركات غريبة، وشممنا روائح غريبة، فانقبضت من هذا الجو، وأدركت أن شيئا ما غير مريح فى هذا البيت، وتحفظت فى تكرار الزيارة، ولم أرغب فى سؤال خطيب ابنتى عن والدته، أو الروائح المنبعثة فى بيتهم، خشية أن يحرجه سؤالى، أو أن يفهم منه شيئا قد يثير غضبه، ويجعله يتغير من ناحيتنا، ويبدو أنه أحس بذلك، إذ قال لابنتى فى إحدى زياراته لنا: إنه يتمنى أن يترك منزل أمه لأنها تفعل أشياء غريبة، وأنه حاول تفسيرها، والوصول إلى حقيقتها، لكنه لم يفلح، نظرا للتكتم الشديد الذى تحيط تصرفاتها به، فلما حكت لى ابنتى ذلك، قلت لها إننى لست مرتاحة لهذه السيدة، فعاودنا سؤال سكان الشقق المجاورة لشقتها عنها هى وابنها مرة أخرى، فأكدوا أنه تصدر روائح غريبة دائما من بيتها، وأنها لا تتعامل مع الجيران، أما ابنها، فهو بلسم من الأدب والتدين والخلق الحميد، وصرنا فى حيرة من أمرنا، هل نمضى فى مشوار تزويج ابنتنا لهذا الشاب، أم ننهى الموضوع درءا للمتاعب المتوقعة؟، وبعد تفكير طويل، قرر زوجى فسخ الخطبة، ومهدت ابنتى لخطيبها الأمر، ثم أبلغته بقرار أبيها فانزعج، وقال لها إنها سبّبت له ألما شديدا بفسخها الخطبة، فلقد أحبها ويصعب عليه نسيانها، وبعد ذلك حاولت أمه مد جسور التواصل معنا، وزارتنا مرارا، وقالت والدموع تنهمر من عينيها إن ابنها سيمرض أو قد يصيبه مكروه، إذا لم يتزوج ابنتى، لكننا كنا قد حسمنا أمرنا، ولم تجد محاولاتها لإعادة المياه إلى مجاريها، بعد أن صممنا على رفض هذه الزيجة، وفى آخر حوار بيننا تمنيت له التوفيق مع بنت أخرى، فجاءتنى أمه حاملة معها هداياى إليها، وأحضرت أنا أيضا هداياها لها لكى تأخذها معها، فطلبت منى أن أزورها فى منزلها مثلما هى زارتنى فى منزلى، ولكننى تحججت ببعد مسكننا عنها، وأن صحتى ليست على ما يرام!
ومرت سنوات طويلة، وكلما تقدم لابنتى عريس يذهب بلا عودة، وقد لا تتم الخطبة، وأحيانا تمضى الأمور فى سلام، ثم فجأة وبدون أى مشكلات ينتهى كل شئ.. لقد مر ثلاثة عشر عاما، وفى كل مرة تفشل فيها الخطبة أقول: إن النصيب لم يحن موعده بعد، وأدعو الله سرا» اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى أَخْشَاكَ كَأَنِّى أَرَاكَ أَبَدًا حَتَّى أَلْقَاكَ، وَأَسْعِدْنِى بِتَقْوَاكَ، وَلا تُشْقِنِى بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِى فِى قَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِى فِى قَدَرِكَ، حَتَّى لا أُحِبُّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَاجْعَلْ غِنَايَ فِى نَفْسِي، وَأَمْتِعْنِى بِسَمْعِي، وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِى عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِى فِيهِ ثَأْرِى تُقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنِي»، وذات يوم دق جرس تليفون منزلى فجأة، فإذا بوالدة أول خطيب لابنتى الكبرى تتحدث إلىّ بصوت منكسر، وترجونى أن أحضر إليها، قائلة إنها تتمنى أن ترانى قبل أن تموت لتعرض علىّ أمرا مهما وخاصا بى، فلم أعر ما قالته أى اهتمام، فبصراحة استغربت طلبها لقائى بعد كل تلك السنين، ولكنها بعد ثلاثة أيام عاودت الاتصال بى مرة أخرى، وألحت علىّ أن أحضر إليها قبل فوات الأوان، لأن هذا الشىء لمصلحتى أنا وبناتى، فلما ذكرت كلمة بناتى أبلغت زوجى بما دار بيننا، وشددنا الرحال إليها، وعندما طرقت الباب، استقبلتنا سيدة، يبدو أنها «شغالة» عند والدة خطيب ابنتى السابق، ولما عرّفتها بنفسى قالت بعفوية «الحاجة هتعرف تنام النهاردة»، وأخذتنا إلى حجرتها، فوجدت بجانب سريرها، كرسيا متحركا، وهى نائمة على ظهرها، ولم تستطع الجلوس، ورحّبَت بى أنا وزوجى، وقالت إنها تعرضَت هى وابنتها لحادث أليم فقدت على إثره ابنتها الوحيدة، وبترت ساقها اليمنى، كما أصيبت بكسر فى العمود الفقرى أفقدها الحركة، ثم طلبت منى أن أسامحها، وهى ترتجف والدموع تنهمر من عينيها كالمطر، فهدأتها وربت على كتفها، فإذا بها تشد يدى وتحاول تقبيلها طالبة منى أن أعفو عنها لأنها أذنبت فى حق بناتى الثلاث، بوقف حالهن فى الزواج انتقاما منا لرفضنا إبنها، وأنها نادمة حتى آخر عمرها على صنيعها هذا.
ولا أستطيع أن أصف لك رد فعلنا أنا وزوجى من هول ما سمعنا، إذ إنه لم يتمالك أعصابه، ولعنها بأشد اللعنات، أما أنا فانخرطت فى بكاء مرير، وبللت الدموع ملابسى، فبدت وكأنها مغسولة، ودعوت عليها أمامها بأن ينور ربنا قبرها بنار جهنم إلى أن تلقى حسابها فى الآخرة، وغادرنا هذا المنزل الموبوء، ونحن فى حالة ذهول، ولم نتبادل أى كلام طوال الطريق، وتأملت حال بناتى اللاتى لم يتزوجن بعد، وحال ابنها الذى تزوج بأخرى، وأنجب ولدا عمره الآن عشر سنوات.
لقد طرقنا أبوابا كثيرة عند المشايخ منذ مدة لا تقل عن سنة ونصف السنة لفك هذا السحر، ولكن لا فائدة، ولا أدرى ماذا أفعل إزاء حلم عمرى الذى تأخر أربعة وثلاثين عاما، هو عمر إبنتى الكبرى، وأتمنى أن يكتب الله لزوجى الذى بلغ سن السبعين، أن يعيش فرحة زواج بناته أطال الله عمره، وليت كل أم تتعظ مما حدث لتلك السيدة، فلا تصنع صنيعها فى بنات غيرها، وتدرك أن عملها سوف تراه فى أولادها فى الدنيا قبل أن تحاسب عليه فى الآخرة، وليتها تحاسب ضميرها قبل نومها وأن تسبق أيامها قبل أن يأتى اليوم الذى لا مراء فيه.
وتبقى لى عدة أسئلة عن جزاء هذه السيدة عند ربها، ومنزلة الإنسان المبتلى دائما، وجزاء البنات الصابرات؟، ولماذا لا يتم إنشاء قسم بمشيخة الأزهر لفك حالات السحر الصعبة تحت إشراف كبار المشايخ حتى لا يرى المبتلى ما رأيته فى الدنيا على يد سيدة مات ضميرها، فأذت بناتى، وجعلتنا نعيش فى عذاب نفسى قاس بلا ذنب ولا جريرة، وجزاكم الله كل خير.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لمست من أسلوب رسالتك أنك تتمتعين بقدرة علمية وعقلية، تجعلك على بينة وبصيرة من أمور الحياة، بحيث لا تنساقى وراء الخرافة التى تقوم على الأوهام والظنون، ولا تستند إلى أدلة وبراهين، فلقد أرجعت سبب تأخر زواج بناتك إلى السحر الذى مارسته والدة خطيب ابنتك بعد رفضكم له، ولم تسألى نفسك: لماذا لم تمارس هذا السحر لاستمالة قلوبكم إليه، والسيطرة على ابنتك فلا ترضى بغيره زوجا لها؟.. أليس هذا هو الأمر المنطقى، بدلا من أن تعذب ابنها بالزواج من أخرى، ووقف حال بناتك، وحتى لو سلّمنا بأنها ربما فعلت ذلك، ولم تنجح فى مسعاها، فلجأت إلى التفريق بين ابنتك الكبرى، ومن يتقدمون للزواج منها، وصادف ذلك الواقع فعلا، فليس معناه، أن تأخر زواجها ناتج عن السحر، فالأمر فى النهاية قضاء وقدر، ولا بديل عن التغلب على ما نواجهه من مشكلات بقانون الأسباب الذى أقام الله عليه مصالح العباد، والاستعانة به، كما ينبغى علينا زيادة جانب الإيمان، والرضا بما قسمه سبحانه وتعالى لنا، ولا يعنى ذلك إنكار السحر، فقد أخبرنا الله تعالى فى القرآن الكريم بوجوده، حيث قال سبحانه: «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» [البقرة: 102]، وقال عز وجل: «وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ» [الفلق: 5]، وأخبرنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى سنته الشريفة بوجوده؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (متفق عليه)، وكثر الحديث عن السحر حتى غدا أغلب من يزعمون أنهم يعالجون السحر، مدّعون، وأكثر من يظنون أنهم مسحورون موهومون، وعلى كل حال، فمن لا يجد مبررًا منطقيًّا لما يحدث له، وغلب على ظنه أنه مسحورٌ، فليتعامل مع مشكلته بالرقى المباحة، والتعوذ المشروع، كالفاتحة، والمعوذتين، والأذكار المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ومع التسليم بوجود السحر، فإنه يعد من أعظم الذنوب جرما وأشدها حرمة، وحكم الله تعالى بأن الساحر ليس له فى الآخرة من نصيب فقال: «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (البقرة 102)، ومع ذلك فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد، ومن شروطها إذا كان الذنب يتعلق بحق أحد أن يستحله منه أو يرد إليه حقه بقدر طاقته، فإن استحل الساحر ذوى الحقوق فأحلوه وعفوا عن حقهم، وحقق مع ذلك بقية شروط التوبة من ترك الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود، فإن ذمته تبرأ فى الآخرة، ويكون من أهل العفو، وأما إن استحلهم فلم يحلوه ولم يسامحوه، فإن الحكم عليه يكون باعتبار إمكان التدارك، فما وقع على المرء من ظلم وتعد بسبب السحر، وكان يمكن تداركه برد الحق والتعويض عنه أو حصول القصاص، وفعل الساحر التائب ذلك ومكَّن منه خصومه، فقد برئت ذمته، ويبقى الإشكال فيما لا يمكن تداركه كالموت أو الإصابة بمرض مزمن كالجنون، أو وقوع الطلاق بسبب السحر، فأمر الساحر فى ذلك إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه، ورضَّى عنه خصومه يوم القيامة، وإن شاء آخذه بالمقاصة من حسناته وذنوب خصومه، فيعطى خصومه من حسناته بقدر مظلمتهم أو يحمل هو من سيئاتهم بقدرها.
وفوق كل ذلك تكون هناك شواهد على القصاص فى الدنيا، كالحالة التى تعيشها أم خطيب ابنتك السابق، والتى شاء القدر أن تموت ابنتها، وأن تظل أسيرة السرير ما تبقى لها من عمر، ولذلك فإنها تستعيد صنيعها معك، وربما مع غيرك، بدليل الرائحة المقبضة التى يشمئز منها الجيران، ويأنفها كل زائر لها، وهو لا يدرى لها سببا، والجو غير المريح المحيط ببيتها، وإذا كان ابنها قد تزوج واستقرت حياته، فليس ذلك بسبب السحر الذى قد تتصورين أنها استمالت به قلب من ارتبط بها، وإنما مرده إلى نقاء سريرته، وأدبه الجم، وأخلاقه الرفيعة التى شهدتم بها، وأعتقد أن أهل زوجته رأوا فيه الشخص المناسب لابنتهم بغض النظر عن صنيع أمه، من منطلق أنه يرفض تصرفاتها، كما قال لابنتك من قبل.
فلتصبر بناتك على تأخر زواجهن، فإن الصبر خلق عظيم، وله فضائل كثيرة منها أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، حيث يقول تعالى: «إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ» [الزمر:10]، والله معهم بهدايته ونصره وفتحه، «إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ» [البقرة:153]، وأخبرنا بمحبته أهله فقال: «وَاللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ» [آل عمران:146] وفى هذا أعظم ترغيب للراغبين، وأكد أن الصبر خير لأهله: «وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ» [النحل:126]، وخصهم بثلاثة أمور لم يخص بها غيرهم وهي: صلاته عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، وقال تعالى: «وَبَشّرِ الصّابِرينَ، الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُون، أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ» [البقرة:155-157]، وعلق الفلاح فى الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [آل عمران:200].
ومما يناقض الصبر، الشكوى إلى غير الله، ومن أمثلة ذلك أن بعض السلف رأوا رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة، فقالوا: «يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك»؟، وصدق من قال:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها
صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذى لا يرحمُ
ولا ينافى الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعده بالصبر فقال: «إِنَّما أشكُوا بَثِى وَحُزنِى إلى اللّهِ» [يوسف 86]، فالتزمى الصبر، ولا تقلقى كل هذا القلق مما ابتلاك الله به، فقد يكون لك فيه من الخير والأجر الجزيل ما لو علمت به لتمنيت لو بقيت على هذه الحال، لقوله تعالى: «وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ» [البقرة 216]، وقوله أيضا: «فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» [النساء 19]، ثم اعلمى أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فعليك أن ترضى بقضاء الله، وفى الحديث الشريف: «فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط» وعليك اللجوء إلى ربك بأن يُذهب ما بك، وأن يسهّل أمرك، وأن يختار لك ما فيه الخير.
ومن أهم دروس قصتك أنه يجب البعد عن السحر سواء للأعمال الإيجابية أو السلبية، وتفويض الأمر لله، فاصنعى ذلك، واحرصى عليه، وسوف يأتى بناتك نصيبهن العادل فى الزواج والحياة، حين يأذن الحق تبارك وتعالى، وأرجو أن تكون رسالتك عبرة لكل من يفكر فى إيذاء الآخرين.. «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» (الفجر 14)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.