العزلة الطويلة وغياب وسائل التعليم والتنوير وبساطة الناس ورقة أحوالهم المعيشية وانتشار الفرق الصوفية الوافدة من خارج النوبة كل ذلك كان له دور كبير فى ارتباط أهالى النوبة القديمة بالأولياء والاعتقاد الراسخ بقدراتهم الخارقة للطبيعة والانبهار والإعجاب بما لهم من كرامات وأصبحت أضرحة الأولياء منتشرة فى كل القرى النوبية. ............................................... أما السحر والخرافة فهما من الموروثات القديمة ومست جزءاً كبيراً من التكوين النفسى للنوبيين, استمرت الخرافة والسحر فى بلاد النوبة مدة طويلة من عصور قبل الميلاد وحتى عهد قريب لأسباب كثيرة منها وجود قبائل وعائلات تتداعى وتستمد مجدها وعزها من علاقتها بسكان أعماق النهر والعوالم الغيبية، وهناك السحرة المستفيدون من تقديم القرابين ومن مصلحتهم استمرار أعمال السحر، وأيضا هناك الهائمون والعاجزون عن التلائم والتجانس مع مجتمعهم فقد جعل لهم أقاربهم منطقاً وسبباً لإيوائهم وهو اتصالهم بالقوى الغيبية، والسحر كان له تأثير بالغ الأهمية فى الواقع النوبى القديم لكنه لم يستخدم فى الشر أو الإيقاع بأحد وإلحاق الضرر به أنما يستخدم لتحقيق أهداف ومطالب يعز على الإنسان النوبى تحقيقها. أهتم النوبيون بالأولياء وأقاموا لهم الموالد والاحتفالات والنذور وحلقات الذكر، ومن الأولياء أصحاب الكرامات فى النوبة القديمة الشيخ «حمد» ويقع ضريحه فى قرية السبوع نجع المرخى ومن كراماته أنه كان يطعم ضيوفه دون أن يكون لديه طعام وكان يقرأ على الردة تعزيمة معينة فتصبح دقيقاً يصنع منه الخبز وكان يحلب اللبن من العجول البكر، ومن كراماته التى أدهشت أهل قريته أنه كشف بما له من قدرات خارقة عن خمسة تماسيح تخفوا فى صورة آدميين جاءوا للإضرار بأهل قريته فعرفهم وسيطر عليهم فاعتذروا له وابتعدوا عن القرية، وبانت كرامات الشيخ «حمد» بجلاء عند التعلية الأولى لخزان أسوان عندما غرق ضريحه وأراد أهل القرية نقله لمكان مرتفع وكشفوا قبره وجدوا جسده غضاً طرياً كأنه مات لساعته. وكل قرى النوبة تحوى أضرحة لأولياء وأصحاب كرامات منها ضريح الشيخ «حسن فجير»، وفجير تحريف لكلمة فقيه وهو من قبيلة الشدناب بقرية قرشة، وضريح الشيخ «أبو بكر» فى نجع الحرازة بقرشة وضريح «سيدى منصور»، وضريح الشيخ «شرف» بقرية العلاقى وكل هؤلاء الأولياء أقيمت لهم الموالد والأحتفالات ويأتى لزيارتهم والتبرك بهم أهالى النوبة من جميع القرى. ويكثر فى أعمال السحر والخرافات عند أهل النوبة ذكر أرقام بعينها (أربعين – سبعة - ثلاثة) أعتقاداً أن لهذه الأرقام تعويذة وطاقة سحرية، فالمرأة النوبية التى تلد تكنس بيتها بعد أربعين يوماً من الولادة وتلقى بالكناسة فى النيل، وترش ماء استحمامها بعد أربعين يوماً من الوضع بعرض الطريق حتى يمر عليه الناس فتحمل مرة أخرى، وكانت المرأة تذهب لقبر زوجها لمدة أربعين يوماً حاملة الماء والطعام ظناً منها أن روحه تجوع وتعطش، والعريس قبل دخول حجرة الزوجية يشرب ثلاث رشفات من اللبن الرائب, ويطرق باب الحجرة بسيفه ثلاث طرقات قبل دخوله، والعريس عليه الاستحمام فى النيل لمدة سبعة أيام أبتداء من اليوم التالى للزفاف، والأفراح والغناء والرقص يستمر لمدة سبعة أيام. ومع تعدد الزوجات فى النوبة القديمة تبحث الزوجة الأولى عن وسيلة تنغص بها حياة ضرتها وتساعدها فى الاستئثار بالزوج فتأتى بثلاث تمرات يقرأ عليها الساحر تعزيمة معينة وعلى الزوجة أن تقدم هذه التمرات للزوج ليأكلها فإن أكلها أمتنع عن الأقتراب من الزوجة الجديدة وأقتصر وده على الزوجة الأولى وهذه الطريقة أيضاً تفيد فى جعل الزوج يوافق على كل طلبات زوجته الأولى مهما كانت المبالغة فيها وعاشت كائنات شريرة فى النيل كانت تخرج من الماء وتجوب قرى النوبة.. وغالبية أهل النوبة قالوا هذه الكائنات حقيقية ورأيناها رأى العين.. وأقلية قالت هذه خرافات وعشنا بالنوبة القديمة مدة طويلة لم نر هذه الكائنات ولكننا كنا نسمع عنها... ومن هذه الكائنات (الشرير المائى) ويطلق عليه «المتوكية» «أسيى دجر» أما «الفاديكات» أطلقوا عليه «أمن دجر» وكلمتا «أسى وأمن» تعنى الماء باللهجتين النوبيتين، و«دجر» تعنى الشرير أو الكئيب أو فاقد البصر وتفسر أيضاً بصاحب العينين المشقوقتين شقأ رأسياً لا أفقياً مثل البشر، وعاش هذا الكائن فى كل بلاد النوبة وروى أهل قرية كلابشة «المتوكية» أن عاش فى قريتهم مدة طويلة وكان يخرج من النيل مبكراً وينتظر الفتيات أثناء ملء أوعيتهن بالماء وينزع عنهن حليهن الذهبية، وروى الصيادون فى القرية أن «أسى دجر» كان يمزق شباكهم ويمنعهم من الصيد كما كان يثقب السفن والمراكب، أما من كان يخرج من بيته فجراً لجمع البلح كان يعود مذعوراً ويقول أن «أسى دجر» تسلق النخل ويأكل البلح ويهدد من يقترب بالموت، وأرتبط الأنسان النوبى بكثير من الطيور والحيوانات المنتشرة فى بيئته وتعامل معها وفق ما يحمله من موروثات قديمة، فالعقرب متواجد بكثرة فى البيئة النوبية حيث الحرارة الشديدة ولا يخاف النوبى من شيء مثل خوفه من العقرب لكنه يحمل داخله موروثاً وهو أن رأس العقرب كانت رمزاً ألهياً لبعض ألهة النوبة فى العصور القديمة ويتودد النوبى للعقرب فيرسمه على جدران بيته وينقشه فى الخواتم والحلى، أما الديك فهو رمز للسيطرة على القوى الغيبية ووجود الديك فى البيت النوبى ضرورى لطرد الشيطان، وأكتحل قدماء النوبيين بدم الديك حيث يفيد فى بياض العينين وعظامه تشفى من الحمى كما أن روث الديك يفسد السموم حسب الموروثات القديمة، والإنسان النوبى يعامل الحمام أذا ظهر فى زراعته معاملة أنسانية عالية حيث يعتقد أن الحمام قد يتلبس روح أحد أقاربه خاصة أذا كان توأماً.