كانت الحكايات الشعبية منتشرة فى بلاد النوبة القديمة، كمادة أساسية للسمر ومتعة الأهالى، واحتلت مكانة مميزة بين فنون التعبير الشعبى التى عرفها ومارسها النوبيون منذ القدم. وجرت العادة فى النوبة القديمة أن تروى السيدات المسنَّات الحكايات التى ورثنها عن أمهاتهن، ويشعرن دائماً بالمتعة أثناء السرد مثل المتلقى. وكانت القرية كلها تجتمع فى بيت السيدة الراوية التى تبدأ الحكى بعد غروب الشمس، حيث هناك اعتقاد بأن الراوية تصاب بالعمى إذا بدأت وخيط من نور الشمس يسطع فوق أرض القرية، وبعد الانتهاء من الحكاية يخرج الشباب بالمصابيح لتوصيل الأطفال والنساء وكبار السن من المتلقين لأن الطريق بعد الحكايات يمتلئ بالأشباح والكائنات الشريرة حسب المعتقد الجمعى لأهل القرية. .................................................. وتبدأ الراوية النوبية الحكايات بقول متوارث باللغة النوبية وهو قولها (كومة.. كومة.. جاكم الله) ويرد عليها المتلقون بقولهم (خيرون.. خيرون.. جاكم الله) والمعنى أنها قالت حكاية.. حكاية.. من الله ومعنى رد المتلقين خير.. خيرمن الله. والراوية تحكى حكاية واحدة طويلة قد تزيد على وقت السهرة، فتكتفى بأجزاء منها، حيث الحكايات ذات وحدات منفصلة ويسهل على الراوية حذف وحدة أو تقديم وحدة على أخرى دون أن يتأثر الإطار الفنى للحكاية, والراوى قد يتمرد على الرواية الواردة إليه أو الموروثة فيضيف من خياله وابتكاره المبدع والمتلقى يحمل معتقدات وأخلاقيات معينة فيحرص الراوى على أن تسير الحكاية فى اتجاه يرضيه ولكن القالب الفنى لا يصيبه التغيير، وتتنوع الحكايات الشعبية النوبية فمنها حكايات شعبية تعكس واقع الحياة النوبية وتكون الحكايات ذات طابع نوبى دخلت عليها عناصر خرافية أى امتزج الواقع النوبى بالخيال وتكون الحكاية من الموروثات العربية القديمة مثل حكايات «ألف ليلة وليلة»، والسير الشعبية، ومن أمثلة الحكايات ذات الطابع النوبى الأصيل التى تؤكد بعض القيم الإجتماعية التى كانت تسود فى النوبة القديمة، ضرورة زواج الشاب من بنت عمه، فهى لحمه، وهو أولى بها، والحرص على إرضاء الوالدين، وتقول الحكاية: ان أخوين اتفقا على أن يتزوج ابن أحدهما بنت الآخر، وسافر الابن للعمل فى القاهرة، وجمع المال اللازم للزواج، وطالت غيبته وبهرته حياة القاهرة وأهمل العودة لإتمام الزواج من بنت عمه، فى أحد الأيام جلست الفتاة فى أرض والدها تحت ظل نخلة على شاطئ النيل تفكر فى حالها وقد لفها الحزن، ومر عليها بعض التجار قاصدين القاهرة، وسألوها بعض الماء، فسقتهم وأطعمتهم من بلح النخلة، واستحسنوا خلقها وكرمها، وسألوها ان كانت تريد شيئا من القاهرة، فقصت عليهم انتظارها لابن عمها الذى يعمل فى القاهرة وطالت اقامته فيها، وعدوها بالبحث عنه، وإجتهدوا فى البحث فى أماكن تجمع النوبيين، ووجدوه يعمل فى مقهى، فجلسوا يغنون الأغانى النوبية عن الشوق والحنين، فرق قلبه وتذكر بنت عمه، وتعرف عليهم، وطالبوه بالعودة وعددوا له محاسن ومكارم بنت عمه ووصفوا له مدى شوقها إليه وإخلاصها له، فأسرع بالعودة ليتزوجها، وفوجئ بأمه تصر على أن يتزوج من بنت خالته، وهددته بأن تتبرأ منه إن هو عصاها، فأصبح فى حيرة، وقلبه يميل إلى بنت عمه، ولا يريد أن يحنث والده فى وعده لعمه، ومن ناحية أخرى لا يمكن أن يغضب أمه، وتزوج بنت خالته وعندما عاد التجار من القاهرة ومروا من نفس المكان، ووجدوا الفتاة أكثر حزناً، فسألوها ألم يأت ابن عمك، فقالت إنه ذهب بتأثير أمه وتزوج بنت خالته، فتأثروا لحالها وقرروا مساعدتها، ذهبوا إليه ورددوا على مسامعه نفس الأغانى التى رددوها فى القاهرة، وذكروا فضائل وحب بنت عمه، تأثر بكلامهم، فغافل زوجته ورجع مع التجار ليتزوج بنت عمه التى انتظرته طويلًا حتى بعد زواجه، وأنقذ كلمة أبيه مع عمه، وأرضى أمه حتى لا تتبرأ منه وعاش مع زوجتين حتى ينال رضا والديه. أما الحكاية الشعبية الخرافية فى النوبة فلا تصور واقعًا نوبيًا صرفاً، لكن أهالى النوبة القديمة كانوا يعتقدون فى السحر والجن والعوالم الغيبية، ويكثر فى الحكايات النوبية الخرافية عوالم المردة والأقزام والسحرة، وعاشت الخرافة فى بلاد النوبة مدة طويلة لأسباب كثيرة، منها وجود مجموعة من الأهالى من مصلحتهم بقاء الخرافة حيث كانوا يدعون علاقتهم بسكان أعماق النهر والعوالم الغيبية، وهناك السحرة الذين تقدم لهم القرابين ليواصلوا عملهم مثل فك عقدة وأزمة المرأة مع زوجها وضرتها، والمرضى النفسيين والمعتوهين فى القرية مما جعل ذووهم لهم منطقاً لإيوائهم، وهو اتصالهم بالقوى الغيبية، والحكاية الخرافية فى بلاد النوبة لها خاصية مميزة، وشخوصها غير مجسمة، والعنصر الزمنى مفقود، ومن أمثلة الحكايات التى دخلت عليها الخرافة حكاية الرجل الذى ماتت زوجته فدعاه ابنه للزواج من جارتهم لتقوم على خدمته، وفى ليلة الزواج ترك الأبن البيت حتى لا يحدث ما يعكر الجو بسببه، ذهب لينام فى أرض مهجورة تسكنها الجن، واستأذن الجن فى المبيت معهم، فرحبوا به، وضع رأسه وغط فى نوم عميق، واجتمع الجن للذهاب إلى حفل فى قصر السلطان، وحملوا الابن النائم معهم للقصر، وأدخلوه احدى حجرات النوم لينام بجوار بنت السلطان، وتستيقظ بنت السلطان فتجده بجانبها، وتعجب بجماله وشكله الوسيم، وتأخذه إلى الحمام، وتبدل ملابسه بالحرير، وتبادلت معه الخواتم الألماظ، وتزوجته على سنة الله ورسوله، ثم استغرقا فى النوم، وبعد انتهاء الحفل حملوا الابن وهو نائم، واستيقظ ليجد نفسه يلبس الحرير المرصع، وفى أصابعه خواتم قيمة وبجواره صرر النقود، ويرجع لأبيه ويغدق عليه بما حمل من خيرات، وذهب يبحث عن فتاة أحلامه. أما بنت السلطان فحملت منه فى تلك الليلة، ووضعت حملها، وثار الشعب على السلطان وطردوه من القصر هو وابنته والطفل الرضيع بعد فشله فى اقناعهم بأن ابنته لم تحمل سفاحاً. رآهم الابن يهيمون فى الطرقات فى حالة يرثى لها، وسأل من حوله عن حكايتهم، فعرف أنه السلطان وابنته فتاة أحلامه وطفله الرضيع، فتتبعهم وأعطى الفتاة الخاتم الذى أهدته إليه، وأدركت أنه فتاها وزوجها، وعاد الجميع للسلطنة وتولى الابن الملك، وانتهت الحكاية التى لا تصور الحياة الواقعية فى النوبة، لكنها مسّت جزءاً من معتقداتهم، وهو وجود الجن، والكائنات الأخرى التى تعيش فى عالم مواز لعالمهم. أما الحكايات الشعبية العربية القديمة فهى ليست فى الأصل نوبية وكانت تروى حسب هوى الراوى ومدى استعداد المتلقى النوبى لقبولها وغالباً ما كانت تستهويه.