جاءت العملية الإرهابية التي راح ضحيتها16 فردا من ضباط وجنود القوات المسلحة علي النقطة الحدودية في سيناء لتفتح ملفا خطيرا تم اختراقه في الوقت الحالي . وهو الامن القومي المصري خاصة من الحدود الشماليةالشرقية وهي الاخطر بالنسبة لمصر واي اختراق لها يحدث خللا واضحا في ميزان القوي, بل ويهدد الامن القومي تهديدا مباشرا يؤثر عليه مستقبلا بشكل كبير, خاصة ان من قام بهذه العملية عناصر ارهابية تسللت عبر الحدود, ونفذت العملية, وقامت بالاستيلاء علي عربات مدرعة, والدخول بها الي الحدود الإسرائيلية, مما ينذر بفتح مجال للصراع مع الجانب الإسرائيلي في الوقت الحالي. واذا نظرنا الي سيناء في الوقت الحالي خاصة بعد ثورة25 يناير, نجد انه تم استغلالها من قبل العناصر الارهابية المتسللة من الجانب الفلسطيني, وبدأت تلك العمليات فجر يوم29 يناير من العام الماضي عندما نفذت عملية لتفجير خط الغاز الطبيعي المغذي لإسرائيل, ومن بعدها تم تفجيره15 مرة متتالية أي قد تصل الي مرة كل شهر, بل وفي التوقيت نفسه, وجميعها في الغالب عناصر تم تسللها في وقت الانفلات الامني بعد الثورة, ولا يمكن ان ننسي محاولات بعض الجهات الجهادية بث الرعب ومحاولة السيطرة علي العريش, وقيامها بمعركة ضد قسم شرطة العريش, ومن بعدها عمليات استهداف عناصر الامن الموجودة في سيناء نهاية بما حدث من هجوم علي عناصر الجيش. كل ذلك لم يكن وليد اللحظة ولكنه مخطط مدروس بعناية من اجل هز الاستقرار في مصر خاصة في سيناء, ومحاولات لايصال رسالة مهمة وهي عدم مقدرة مصر علي حماية اراضيها, بل ان هناك تهديدات تخرج من مصر الي إسرائيل, وعندئذ فإن لها حق الرد, متابعة تلك العناصر, وتنفيذ ضربات استباقية داخل ارض سيناء لمواجهة اي تهديد محتمل عليها, والواقع يؤكد ان الخاسر الوحيد فيما يحدث حاليا هو الدولة المصرية التي تحاول بعض القوي ايصال رسائل محددة لدول العالم. ولكن المفاجأة هنا ان من قام بتلك العمليات العسكرية مجموعة متسللة من الجانب الفلسطيني عبر الانفاق او الحدود علي الرغم ان مصر في الوقت الحالي تقدم كل الدعم لغزة وحركة حماس, لكن ربما ان تلك العناصر الإرهابية لا ترغب في ان يحدث اي استقرار في مصر وترغب في تنفيذ اهدافها بالسيطرة علي سيناء واعلانها ولاية إسلامية كما ذكر من قبل في ظل المساحة الشاسعة لسيناء وحالة الفراغ الامني الموجود بها, وفي ظل عمليات تسليح علي اعلي مستوي تم ادخالها الي البلاد من خلال الانفاق او من خلال ليبيا بعد ثورتها الاخيرة, كل تلك المميزات تراها تلك الجماعات الجهادية الإرهابية فرصة جيدة لتنفيذ مخططها الكبير. وبالنسبة لحركة حماس, ففي الوقت الحالي هي علي وفاق تام مع القياده المصرية, وكان من الواجب عليها وقف كل مخططات العنف التي كانت توجه من اي جماعة الي مصر في الوقت الماضي, واهم ما كان يجب ان تقدمه حركة حماس لمصر في الوقت الحالي ان توقف العمل بالانفاق تماما, حيث ان قيادات الحركة علي علم بما يتم في الانفاق من عمليات تهريب مختلفة خاصة الاسلحة وتسلل عناصر إرهابية الي الجانب المصري, كل ذلك كانت حماس علي علم به, فكان من الواجب عليها اغلاق تلك الانفاق والدعوة الي عدم التعامل بها في ظل فتح المعابر بين البلدين, وهو ما لم تفعله, وكان من اسباب ذلك تلك الازمة التي حدثت وتتحمل حماس جزءا كبيرا منها نظرا لعدم تعاملها مع موضوع الانفاق بهذا الشكل. أما بالنسبة لإسرائيل, فنجد انها حذرت رعاياها من الدخول الي سيناء في الوقت الحالي نظرا لانها غير آمنة وفي تلك اللحظة كان يجب علي كل الجهات الأمنية ان تتعامل مع الموقف بشكل ايجابي وامني في المقام الأول وتحليل الموقف لكن تعاملت معه مصر علي لسان محافظ شمال سيناء بان إسرائيل تحاول ضرب السياحة في سيناء, وهو الموقف والتصريح السطحي جدا, ولم يتم التحقق من الموقف قبل الادلاء بتلك التصريحات, وجاءت تصريحات إسرائيل صادقة ربما لان اجهزتها الامنية كانت لديها معلومات بهذا الأمر, ولم تبلغ الجانب المصري من أجل تحقيق مكاسب من جراء ما حدث لتستفيد منه علي المدي القريب. لقد صرحت إسرائيل من قبل بأن سيناء غير آمنة ومصر اصبحت غير قادرة علي تحقيق الامن فيها مما يهدد بشكل مباشر الامن القومي الإسرائيلي, وبهذا تجد لنفسها الذريعة بعد ذلك في تنفيذ عمليات عسكرية داخل عمق سيناء ضد ما تسميهم عناصر إرهابية, وكل ما يحدث هي مقدمات لشن هجوم عسكري ضد سيناء مرة اخري وفي هذه اللحظة تدخل مصر في مواجهة حتمية مع إسرائيل. واما بالنسبة للداخل المصري, فان القوات المسلحة المصرية وعلي الرغم انتشارها الجيد في سيناء بشكل عام لكن غلت يدها بعد ثورة25 يناير في مطاردة ومهاجمة العناصر الارهابية في سيناء خاصة مناطق الجبال, حتي لا تدخل في دوامة حقوق الانسان أن الجيش المصري يقوم بقصف ابناء الوطن مما يجعل الهجوم يشتد علي القوات المسلحة من الداخل وقد تستغله بعض الدول في غير مصلحة الأمن والاستقرار في مصر. والحقيقة هنا ان مصر يجب ان تعيد حساباتها في التعامل مع جميع المواقف خاصة في سيناء, واول الامور ان تتعامل بمنتهي الحسم مع كل من يخترق الحدود متسللا, وتدمير جميع الانفاق والسيطرة عليها بالكامل, كما يجب الاتفاق مع إسرائيل ان القوات المسلحة ستقوم بعمليات تطهير لسيناء من العناصر الإرهابية, وكذا القوات التابعة للامم المتحدة للمراقبة في سيناء من اجل السماح باستثناء انواع مختلفة من الاسلحة واستخدامها علي الحدود للقضاء علي العناصر الإرهابية, وذلك بدخول الطائرات المقاتلة من طرازات مختلفة لاختراق جميع المواقع وتدميرها وبخاصة مناطق الجبال والوديان التي يختبئ بها تلك العناصر واستخدام صواريخ خاصة, وهنا يجب استخدام المقاتلات بدلا من الهليكوبتر, بسبب امتلاك تلك العناصر لصواريخ مضادة للطائرات قد تصيب المروحيات. كما يجب علي مصر ان تقوم من خلال المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي, بوضع تعديلات جديدة علي اتفاقية السلام والملحق الامني منها, بحيث يتم تحقيق الامن علي كامل الارض دون النظر الي الكم والنوع حيث يوجد هناك دوافع لكلا الطرفين لتعديل المعاهدة, وإن كانت دوافع الطرف المصري أقوي من دوافع الطرف الإسرائيلي, فالمعاهدة قد صممت أصلا لتحقيق مصلحته. والدوافع الإسرائيلية أولا هي امتصاص الغضب الشعبي المصري الذي يطالب أصلا بإلغاء المعاهدة, ولما كان إلغاء المعاهدة يشكل خسارة كبيرة لإسرائيل نتيجة لأنها ستخرج مصر وتخرجها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي عسكريا علي الأقل, فإن قبول إسرائيل لمبدأ تعديل المعاهدة يخفف من الضغط الشعبي لحين إدراك المخاطر الناجمة عن الإلغاء التي يمكن تضخيمها وزيادة الشعور بها, كما أن المفاوضات يمكن أن تستمر لفترة طويلة يمكن استغلالها لتخفيف الضغط علي السلطة الحاكمة في مصر. وأخيرا فإن إسرائيل لن تقبل بما لا يحقق مصلحتها, وحينئذ فإن توقف المفاوضات يمكن أن يكون مقبولا. الدافع الثاني هو مساعدة السلطات المصرية علي السيطرة علي سيناء بحيث تستطيع أن تمنع التهريب من خلال الأنفاق من سيناء إلي غزة, كما أنها تستطيع أن تسيطر علي الحدود بحيث تمنع التسلل عبر الحدود المصرية بواسطة عناصر مصرية أو فلسطينية إلي الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. وأخيرا فإن الموافقة علي زيادة القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء يمكن أن يحول الصراع من أنه قائم بين عناصر مصرية وأخري إسرائيلية إلي صراع بين عناصر مصرية والسلطات المصرية, أو بين عناصر فلسطينية وعناصر قوات مصرية, أي أن إسرائيل- من خلال الموافقة علي زيادة محسوبة للقوات المصرية في شبه جزيرة سيناء- تستطيع تعريب الصراع. أما دافع مصر إلي تعديل المعاهدة فهو طبيعي, فلا شك أن أي قارئ لنص المعاهدة وملحقاتها ومرفقاتها المنشورة لا بد أن يشعر بأن هناك تفاوتا كبيرا بين ما هو لإسرائيل وما هو لمصر, وأن المعاهدة تشكل قيدا أبديا علي مصر حيث إنها ليست لها مدة محددة, كما أنها تكتسب أولوية علي غيرها من المعاهدات والاتفاقات السابقة واللاحقة بأن تكون التزاماتها هي المنفذة في حال تعارض هذه الالتزامات مع التزامات مصرية أخري, وتضع قيودا علي حركة مصر المستقبلية بحيث لا تتعارض أي حركة مع المعاهدة. هكذا فإن تعديل المعاهدة يمكن إما أن يصحح هذا التفاوت في مصالح مصر مع مصالح إسرائيل, أو أنه علي الأقل يخفف من التفاوت القائم بما يحسن من الوضع الإستراتيجي المصري في مقابل إسرائيل وبما يضمن حقوق البلدين من تلك الاتفاقية, وهذا الأمر يجب ان يكون في اسرع وقت ممكن حتي يتم تجنب المزيد من العمليات الإرهابية التي قد توصلنا الي مرحلة المواجهة المسلحة بين البلدين. أما بالنسبة في التعامل مع الجانب الفلسطيني فيجب ان يتم مراجعة العديد من المواقف معه, فهناك العديد من الخروقات التي تمت خلال الفترة الماضية, وكادت ان تتسبب في احداث صدام مسلح مصري إسرائيلي, فمن الطبيعي ان تطلب مصر من فلسطين خاصة حكومة حماس, البحث عن متسببي تلك العملية واعطاء معلومات كاملة عنهم, بل والقبض علي المخططين لها وتقديمهم لمصر وعندئذ ترفع الحرج عنها, اما بالنسبة للانفاق فعليها اغلاقها تماما فلا يمكن لدولة علي علاقة بدولة اخري أن تنتهك حدودها بهذا الاسلوب. وهنا يجب ان نتأكد ان هناك تصعيدا نوعيا وخطيرا في العمليات التي تنفذ في اراضي سيناء, وقد يكون هناك اخطر من ذلك بكثير في حال عدم الرد بمنتهي الحزم, فالامن القومي المصري تم اختراقه والمصلحة الوطنية الآن في اعادة تحقيق الامن مرة اخري وبأي صورة كانت دون النظر الي حسابات داخلية, فالهجوم علي نقطة حدودية وقتل هذا العدد من الافراد يجعل الوضع في غاية السوء, خاصة في ظل محاولة تصدير فكرة ان مصر غير قادرة علي حماية اراضيها, وتهديدها بشكل مباشر لإسرائيل.