تعد أخبار القبض علي متسللين أفارقة عبر سيناء حلقة متجددة من مسلسل الهجرة غير الشرعية من دول الجوار الأفريقي التي يقصد مهاجروها الوصول الي إسرائيل, وأصبح لذلك علاقة ببروز عصابات للهجرة ذات بعد تنظيمي عالمي, وموزعة علي الدول المصدرة للهجرة والمستقبلة لها والوسيطة التي تمر عبرها, وتطور الأمر الي اشتباك تلك العصابات بالسلاح مع قوات الشرطة وامتلاكها الأسلحة وأجهزة الرؤية الليلية لحماية نشاطها, وقيام ذلك بمساندة بعض عناصر من القبائل البدوية في سيناء. وأضافت تلك القضية عبئا علي قوات الأمن في سيناء الي جانب مكافحة تجارة المخدرات والسلاح والإرهاب, فضلا عن وقوع بعض الصدامات بين عناصر من البدو في سيناء وبين الشرطة المصرية, ويأتي ذلك مع خطورة تحالف عصابات الهجرة مع الأنشطة الأخري الإجرامية وهو مايعمل علي توفير التمويل اللازم لعملها, ويصعب في الوقت نفسه من مواجهتها أمنيا. وهو الأمر الذي يهدد سيناء بإحداث إرباكات أمنية تستغلها المنظمات المتشددة, أو أن يفسح المجال لقيام تنظيمات ارهابية أخري, مستغلين في ذلك طبيعة سيناء الجبلية الوعرة وضعف الوجود الأمني في مناطقها خاصة تلك التي توجد علي التماس مع الحدود مع إسرائيل, وقد يعمل ذلك علي ارتفاع درجات التهديد واتساعها للتأثير علي المرور في قناة السويس والسياحة, وهو مايمثل تهديدا للامن القومي المصري. وحظيت قضية المتسللين الافارقة باهتمام متزايد من العديد من المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان وحماية اللاجئين وايضا من دول المنطقة لما تمثله تلك القضية من مخاطر لأمنها القومي, بالإضافة الي تشابك تلك القضية مع قضايا أخري تتعلق باستمرار التوتر الاقتصادي والاجتماعي في الدول المصدرة للهجرة وخاصة من السودان واريتريا وإثيوبيا التي يأتي منها أغلب الهجرة الافريقية عبر سيناء. وعلي الرغم من عدم وجود إحصاء دقيق بعدد المتسللين الأفارقة عبر سيناء كون الهجرة تعتمد علي العمل السري, إلا أن بعض التقديرات تشير الي انهم مايزيد علي150 ألفا منهم26 ألفا فقط مسجلون في إسرائيل, ويشكلون10% من سكان مدينة ايلات. وكانت الهجرة الافريقية الي اسرائيل قد بلغت ذروتها ابان تدهور الوضع الأمني في دارفور, ورغبة اسرائيل في تضخيم الوضع الانساني والضغط علي نظام البشير في السودان, وبعد تنامي أعداد الهجرة الأفريقية اتجهت إسرائيل مؤخرا للتفكير في بناء جدار علي طول الحدود بينها ومصر وقطاع غزة لإيقاف تدفق آلاف اللاجئين الأفارقة, الي جانب مواجهة عمليات التهريب الي قطاع غزة خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هذه الهجرة تهدد بتحويل إسرائيل الي دولة عالم ثالث, وتقيم مصر هي الأخري جدارا علي الحدود مع قطاع غزة. ويشير ما أسفر عنه التعامل المصري مع هذه المشكلة حتي الآن الي حاجة فعلية لإعادة النظر في آليات تأمين سيناء, فقد ثبت عدم كفاية المواجهة الأمنية مع المتسللين الأفارقة لاعتبارات تتعلق بطبيعة الوجود العسكري في سيناء, أو لتزايد القدرة الفنية لعصابات الهجرة أو مايتعلق بطبيعة الأخطار الجديدة الأخري وما تحملة من اعباء وتحديات لقوات الشرطة المصرية. وتأتي الكيفية التي تتناول بها بعض وسائل الاعلام المصرية والدولية تداعيات تلك المواجهات بأثر سلبي, حيث تعمل علي الإضرار بسمعة مصر ليس فقط لدي المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان, بل الي صورة مصر لدي الدول الافريقية خاصة في اثيوبيا والسودان واريتريا وغيرها والتي يجب أن تحرص عليها مصر في إطار الحفاظ علي علاقة جيدة مع شعوب حوض النيل, وتبقي مصر خاسرة في حين تصبح اسرائيل أفضل حالا لدي هذه الدول وهو مايمكنها من تطوير ذلك الي علاقات جيدة مع الدول الإفريقية والتي تروج نفسها علي انها تحمي المتسللين الافارقة داخلها, بينما تعرضهم مصر الي القتل والاعتقال والملاحقة. وهو ما يفرض العمل علي معالجة مشكلة المتسللين بكافة جوانبها وبكافة السبل والتي منها العمل علي ضمان مستوي أعلي من الأمن في سيناء, وهذا يستدعي العمل علي إدخال أهل سيناء من البدو في المنظومة الامنية لسيناء بالاعتماد علي بعض عناصرهم في عمل قوات الامن وحرس الحدود, وتعزيز الانتماء والارتباط بالدولة عبر تقديم الخدمات الحكومية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سيناء. وذلك من قبيل ان تكرار حوادث التسلل ودور عصابات الهجرة غير الشرعية بها والمواجهات بين بعض عناصر البدو والشرطة المصرية ومحاولة اختراق سيناء من جانب منظمات ارهابية أو دول معادية, كل ذلك وغيره يسهم في خلق بيئة امنية مضطربة في سيناء لاتضر فقط مصر, بل أيضا دول الجوار, وهو مايحتاج الي معالجة غير تقليدية تتواكب مع نمو تلك المهددات غير التقليدية ايضا. ولعل أحد أهم سبل المواجهة تلك هو العمل علي إدخال تعديل علي اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية لزيادة عدد القوات المصرية. وتقتضي الضرورة كذلك العمل علي إضافة ملحق آخر لاتفاقية السلام لتعزيز قوات حرس الحدود والجيش المصري في المنطقة( ج), وهي المنطقة المتاخمة للحدود الإسرائيلية لمنع تحولها لمنطقة مخترقة أمنيا يستغلها الخارجون علي القانون, إضافة الي المخاطر المتعلقة بتطور قدرة عصابات التهريب علي استخدام تقنيات حديثة وتطوير استراتيجيتهم في مواجهة قوات الشرطة المصرية. ومن شأن العمل علي تعديل تلك الاتفاقية تعزيز هيبة الدولة المرتبط بقوة الجيش علي السيطرة علي الأرض, وترتبط مواجهة المتسللين الأفارقة أيضا بمدي القدرة علي مكافحتها من المنبع قبل أن تصل الي سيناء, وذلك عبر حماية الحدود الجنوبية مع السودان وتعزيز التواجد الأمني في الثغور البحرية وجنوب سيناء. ومن ناحية أخري يجب العمل علي مساعدة الدول المصدرة للمهاجرين في انتهاج خطط للتنمية بمساعدة الجهات المانحة الدولية, والعمل علي دعم الاستقرار والسلام بها.