فى جلسة حملت عنوان( مستقبل السياسة والعلاقات الدولية)، عقدها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة أبوظبى يومى 20 و 21 مارس الحالى ضمن مؤتمره السنوى الثالث والعشرين، الذى ركز هذه السنة على الدراسات المستقبلية، قدم الباحث الدكتور جان لو سمعان، الأستاذ المشارك، بكلية الدفاع الوطني، دولة الإمارات العربية المتحدة ورقة حول ( مستقبل الاستقرار السياسى فى ظل حروب الجيلين الرابع والخامس). فى ورقته قدّم قراءة لأوضاع دولنا العربية، فى ضوء التطورات المعاصرة فى الحروب، وخاصة تلك التى يُطلق عليها حروب الجيلين الرابع والخامس، وانتهى إلى أننا اليوم من الناحية العسكرية فى مرحلة الجيل الخامس، والتى ستشكل تحديا حقيقيا للجيوش النظامية، وناقش التحديات الحالية التى يواجهها العالم العربى فى هذا الشأن، وأبدى مخاوفه من الحروب بالوكالة واللاعبين من غير الدول فى كل من بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، والبحث فى أجنداتهم السياسية وتكتيكاتهم وقدراتهم العسكرية، وحاول الكشف عن السياسات المحددة التى تساعد على التخفيف من خطر الفوضى فى المستقبل القريب. فى لقاء جانبى على هامش المؤتمر، حاولت الوصول إلى إجابة محددة من الدكتور جان لو سمعان، حول سؤالين يخصان الحروب الحالية، التى خاضها العراق منذ 2003، وإلى غاية بداية السنة الجارية، حيث الانتصار الحقيقى أو الوهمى على داعش.. تعلّق الأول بالماضى القريب، ونصه:(كيف نُصنِّف الحرب الأمريكية بالاشتراك مع قوات التحالف الدولى وبعض العرب على الدولة العراقية، واسقاط النظام القائم وحل الجيش؟.. وهل هى حرب الجيل الخامس أو السادس، أو ما سيطرح من تسميات فى المستقبل البعيد؟). أما السؤال الثاني، فهو يتعلق بالحاضر، وكانت صيغته كما يلي: هل تَجَمُّع الولاياتالمتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية، إضافة إلى إيران وتركيا والجيش النظامى العراقى وميليشيات الحشد الشعبي، لمحارية تنظيم داعش الإرهابي، يعد حرب الجيل الخامس أو السادس.. أو حتى العاشر؟. لم أحصل عن إجابة من الباحث الأمريكي، وخلفيّة هذا الحديث هو أنه من أيام فقط مرت الذكرى الخامسة عشرة ل(حرب احتلال العراق)، وقد بدَا لكثيرين منا وقتها أن الهدف منها تغيير نظام جائر، وإذا بنا نكتشف أن المقصود تغيير أمة بأكملها واخراجها من التاريخ، وذلك من خلال مدخلين رئيسيين، الأول: نقل حرب الجماعات الإرهابية إلى أراضى المسلمين انتقاما لحادثة البرجين الإرهابية التى وقعت فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، اعتماداً على دفعنا نحو صراع مذهبى دموي، وهوما نعيشه اليوم فى العراق، مًدْعُوماً من دولة جارة تدّعى الولاياتالمتحدةالأمريكية عداءها، ولكنها فى نفس الوقت تتحالف معها فى العراق، وتمكِّنُها كل يوم من اكتساب مواقع جديدة. المدخل الثاني: الحرب على كل ما هو عربى بشرا ولغة وتاريخا، وعلاقات بينية عبر دعم سرى وعلنى للجماعات الإرهابية من جهة أولي، أو دعم قيادات معادية للعرب وإيصالها للحكم من جهة ثانية، أو بدفع الأقليات إلى ثورات ضد الأنظمة القائمة وبالتالى اشعال الجبهة الداخلية للدولة الوطنية بين المكونات الأساسية لها، ولتحقيق ذلك تٌشن حروب داخلية، تشمل كل أجيال الحروب، بدءًا من الجيل الأول، الذى تجاوزه التاريخ حتى الجيل الخامس، الذى هو فى طور التشكل. ما يقع فى دولنا من إرهاب وفتن، وما سيقع فى المستقبل، آت جميعه من المصائب التى حلَّت بالعراق، ولمواجهة كل التمزق والاقتتال، لابد من تذكر التجربة العراقية ودراستها، كما أنه علينا الخروج من حالة النسيان التى تتحكم فى مسار حركتنا اليوم، بحيث يشغلنا وضعنا الوطنى عن غيره من الأوضاع الأخري، ولو نحن واجهنا الاحتلال والمذهبية وظهور داعش، والتدخل الخارجى فى العراق، لما أصبح واقعنا على النحو الذى نعيشه اليوم فى سوريا وليبيا واليمن ومصر.. ومن أدرانا قد يكون ذاك مصير دول عربية أخرى تبدو آمنة اليوم. ليس مُهِماًّ تصنيف الحروب فى أوطاننا، لكن الذى يعنينا هو وقوعها واستمراريتها، ولا شك ان لها أسبابا داخلية، وأخرى خارجية، لكن يظل العراق هو حلبة الصراع الحقيقية، واخراجه النظام العربى مثَّل كارثة وأزمة وساء سبيلا، ولن نتمكن من تحقيق الانتصار على الإرهاب، والفساد والتدخل الخارجى إلا باستقرار العراق، وعودته بمشاركة فاعلة فى صناعة الأحداث العربية، أى عندما يعود الحديث عن( عراقنا العربي) الواقف فى وجهة الأمم المتكالبة على العرب، لا عراق اليوم الذى نري( العراقي) أو من يدّعى ذلك غريب الوجه واليد واللسان، والأكثر من هذا غريبا فى مواقفه السياسية، على أرض تشن عليها كل أجيال الحروب. لمزيد من مقالات ◀ خالد عمر بن ققه