حتى فى أثناء وبعد العمليات الإرهابية خلال العقدين الأخيرين، لم يعش المسلمون في بريطانيا حالة خوف كالتى تلاحقهم الآن.. البلاد في حالة طوارئ غير معلنة، كأنها في فيلم من إبداعات هوليوود التي تحسن تصوير الخوف من المجهول. جهاز مكافحة الإرهاب ومعه كل مؤسسات مكافحة العنصرية والكراهية، على أهبة الاستعداد ليوم الثالث من أبريل المقبل. ففي أكثر من مدينة بريطانيا، بما فيها العاصمة لندن، توزع رسائل مجهولة على منازل وشركات تهدد المسلمين بكل أنواع الجرائم، ومنها نزع الحجاب من على رءوس السيدات والفتيات، والشتم والسب والإساءة، والصعق بالكهرباء، والتعذيب، والتهديد بحرق المنازل، والهجوم بمواد كيماوية حارقة، وتفجير مساجد، والذبح. بعض هذه الرسائل يتضمن صورة لسيف وتحته عبارة تقول: «اقتلوا المسلمين الحثالة». وتلقت مساجد ومراكز إسلامية طرودا بها مساحيق مريبة. وفى مقابل كل سلوك عنصرى عدد من النقاط تبدأ ب 10 نقاط للإساءة إلى مسلم أو مسلمة وتشمل 100 نقطة للضرب، وتنتهي ب 2500 للقتل أو تفجير مكةالمكرمة. ويطلق أصحاب الرسائل المجهولة التي لا تزال الشرطة تسعى لاقتفاء آثارها على الثالث من أبريل «الموعود» اسم «يوم معاقبة المسلمين»، ولا أحد يعلم ماذا ستكون مكافأة النقاط المحصلة من اضطهاد المسلمين. ليس هناك سبب واضح لاختيار هذا اليوم، لكن الواضح هو حالة الخوف بين المسلمين، خاصة السيدات والفتيات، بعد الرسائل التي انتشرت حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، وترمى بجرأة غريبة من فتحات الرسائل بأبواب المنازل. وقد لجأت المنظمات المسلمة هي الأخرى للوسيلة نفسها لنشر قائمة نصائح لتفادى الاعتداء، وكأن بريطانيا لم تعد ذلك البلد الذي يفخر سياسيوه وإعلامه وأجهزته الأمنية بأنه متسامح ومتعدد الثقافات والأديان ومعاد للعنصرية والكراهية. فلا تكاد تمر ساعة إلا وتستقبل سيدة مسلمة رسالة تنصحها بألا تفتح باب منزلها إلا بعد التأكد تماما من هوية الطارق، وأن تلف غطاء الرأس بحيث يبدو كأنه زينة وليس حجابا حتى لا تلفت النظر، وألا تقف بسيارتها في الشارع لأي شخص أيا يكن السبب، ولا تسير بمفردها أو حتى بسيارتها إلا في شوارع مزدحمة. وتتضمن الرسائل كذلك أن ترسل السيدة المسلمة ابنها أو ابنتها إلى المدرسة مع صديق أو صديقة تعرفهما جيدا، فضلا عن الحذر من الرد على أي استفزاز خاصة من جانب الشبان غير المسلمين المراهقين. ولكن يجب أن يشرح الآباء المسلمون لأبنائهم بهدوء أنه أيا كان من وراء هذه الحملة على المسلمين فهم ليسوا سوى قلة قليلة لا تمثل المجتمع البريطاني. بينما أصبح الشباب لا يشعرون بالأمان، بعد أن باتت اللحى تلفت النظر، وعلامات الصلاة في الوجه تشكل خطرا، ويزيد من شعورهم بالخوف تزايد معدل توقيف الشرطة لهم والشك فيهم لمجرد أن ملامحهم غير إنجليزية. وكثيرا ما يشكو الشباب من إساءة معاملة بعض رجال الشرطة لهم حتى بعد تفتيشهم ذاتيا في الشوارع. وقد بلغت الجرأة في التهديد حدا أكثر إزعاجا، عندما تلقى أربعة نواب مسلمين في مجلس العموم، وأعضاء منتخبون في المجالس المحلية، رسائل بالقتل وطرودا مريبة، وفهم النواب أن الرسالة هي: لا أحد حتى لو كان نائبا بالبرلمان محصن من العقاب على إسلامه. من جانبها، ترفع منظمات المجتمع المدني، المهمومة بالتسامح ومكافحة العنصرية والكراهية، أصابع الاتهام في وجه التنظيمات اليمينية المتطرفة، مثل رابطة الدفاع الإنجليزية «والنازيون الجدد»، التي أعلن بعضها حربا على الإسلام والمسلمين، وتروج للخوف منهم ومن خطرهم المزعوم على أمن بريطانيا وأوروبا. ولم تدفن أجهزة الأمن البريطانية رءوسها في الرمال وتدعي أن الامور تحت السيطرة، أو أن اليمينيين قلة غير فاعلة، حيث أعلنت منذ أيام أنها رصدت منذ شهر مارس 2017 حتى الآن 4 خطط لأعمال إرهابية دبرها يمينيون متطرفون. وأقرت بأن جرائم الإرهاب المنظمة من جانب اليمين باتت واقعا في بريطانيا منذ اغتال اليمين النائبة جو كوكس عام 2016 عقابا لها على الدفاع عن الأٌقليات والأجانب في البلاد. وقد تضامنت منظمات المجتمع المدني المهمومة بمكافحة الكراهية والعنصرية، مع المسلمين، وحذرت منظمة «أمل لا كراهية» من أن انفجار إرهاب اليمين في بريطانيا ليس سوى مسألة وقت، نبهت البريطانيين إلى أنه مالم يفعلوا شيئا فإن عليهم الاستعداد لمزيد من الخطط الإرهابية والعنف المدفوع بالتطرف، رافعا شعار «الحرب على الإسلام» في المستقبل المنظور. ليست هذه المرة الأولى التي يمر فيها مسلمو بريطانيا بهذه الظروف، لكنها الأولى التي تجد فيها بريطانيا، بأجهزتها المشهود لها بالكفاءة في الأمن ومكافحة الإرهاب، عاجزة عن حماية أٌقلياتها من إرهاب جديد ينمو تحت جنح ظلام التخويف من الإسلام.