برغم الظروف الحياتية الصعبة وانشغال الشعب بقضايا مهمة، كالتنمية ومحاربة الإرهاب والانتخابات الرئاسية، فإن «مزاد» عبد الله السعيد فرض نفسه على رجل الشارع المصرى طوال الأسبوعين الماضيين. حكاية السعيد أشبه بميلو دراما اختلط فيها الجشع بملاعيب كيد النساء وقصور تطبيق لوائح الاحتراف، لتفضح واقعًا قبيحًا تحياه الساحة الرياضية، وجاءت فى توقيت صعب والمنتخب يستعد للمونديال بعد غياب 28 سنة، فاللاعب نسى القيم الرياضية ووضع المادة فقط نصب عينيه، ومارس مع ناديه لعبة الثلاث ورقات، ماطل فى مفاوضاته على تجديد عقده، ملوحًا بعروض خارجية قيمتها 30 مليون جنيه فى الموسم، وفى الوقت نفسه أخفى توقيعه على عقد انضمامه لمنافسه التقليدي، وقبضه 40 مليون جنيه، والنادى بعد أن أدرك لعبته نصب له مصيدة، حتى إذا ما وقع على عقد التمديد، بادر مسئولوه باصطحابه إلى اتحاد الجبلاية لتسجيل العقد، ثم عرضوه للبيع أو الإعارة، لقطع الطريق على النادى المنافس، الذى توعد اللاعب بالايقاف، أو سداد الشرط الجزائى البالغ 100 مليون دولار! قصة أظن أن أكبر كتّاب الدراما يعجزون عن كتابتها بمثل هذه الحرفية الساخرة، الخاسر الأكبر فيها هو اللاعب, إذ فقد احترام جمهوره العريض، وبات معرضًا لعقوبات ربما تمنعه من شرف المشاركة فى مونديال روسيا الذى يحلم به كل نجم. وبعيدا عن مزاد السعيد وملايينه وصراع أهل القمة، تطالعنا على الطرف الآخر من الحياة، حيث البسطاء المهمشون فى مدينة كفر الدواربالبحيرة ، مأساة الحاج محمد الجمال «70» سنة وزوجته الحاجة بدرية الفضالى «60» سنة، وقد رزقهما الله بستة أبناء منهم «إيمان»، التى ولدت قبل 38 سنة مصابة بضمور فى المخ وشلل رباعى أعجزها عن الحركة تمامًا، بل جعلها لا تميز والديها. والقصة كما رواها الصحفيان الشابان ناصر جودة وجمال أبو الفضل تعد من أغرب الحالات المرضية وأندرها، فالعجز لم يضرب الشابة فى مخها وجسدها فقط، وهو بالمناسبة جسد طفلة فى الثامنة من عمرها، ولكنه ضربها أيضًا فى قدرتها على تناول الطعام، فهى لا تأكل ولا تشرب كباقى البشر، لكنها تتغذى بواسطة ببرونة على الحليب فقط، وترتدى البامبرز منذ ولادتها وحتى اليوم! المأساة لا تحياها إيمان وحدها، لكن يشاركها فيها والداها، فليس أقسى على الوالدين من رؤية فلذة كبدهما تعانى ولا يملكان دفعًا لمعاناتها، فالأب عامل بسيط على المعاش والأم ربة منزل، وانفقا ما يملكان بحثًا عن علاج لابنتهما بلا جدوى، فالطب وقف عاجزًا، بل تطوع أحد الأطباء بنصحهما بأن يتركاها بلا طعام لتموت وترتاح، ويرتاحا هما من ألم رؤيتها بهذه الحالة، لكنهما رفضا القنوط من رحمة الله وتمسكا بأجر الصابرين. إن مشكلة والدى إيمان ليست فى طلب العلاج، ولكنها فى توفير علب الحليب وكراتين البامبرز، فمعاش الأب بسيط وبالكاد يكفيه وزوجته، فيما تتقاضى إيمان معاش الضمان الاجتماعي، وهو لا يكفى لسداد ثمن الحليب والبامبرز، وتوفرهما مساعدات الجيران وأهل الخير. لن أسألكم أين جمعيات رعاية المعاقين وأين وزيرة التضامن الاجتماعى ومحافظ البحيرة وشركات الدواء؟، فقط أسألكم أن تغمضوا أعينكم وتتخيلوا معى أن إيمان ابنة أحدكم أو أخته أو حتى قريبته. لمزيد من مقالات أسامة الألفى