العنف المفرط من الجماعة ضد الدولة دفع النقراشى لحلها عام 1948 أنهت بريطانيا الحرب العالمية الثانية وقد عقدت العزم على التمسك بوجودها فى مصر. وفى أبريل 1945، ذهب وزير الخارجية البريطانى أنطونى إيدن إلى حد أن يوصى بأن تحتفظ بريطانيا بمسئولية الدفاع عن قناة السويس «إلى الأبد». وكانت وجهة النظر المشتركة بين رئاسة الأركان البريطانية والسفير فى القاهرة السير مايلز لامبسون أن مصر تعتبر حجر الزاوية فى النظام الإمبريالى البريطاني. ومع ذلك، كان المسئولون البريطانيون غافلين عن بيئة ما بعد الحرب والمتغيرات العديدة والتحديات الجديدة فى الشرق الأوسط. فمن ناحية، كانت جاذبية القومية العربية فى صعود وحركات التحرر الوطنى تنتشر فى كل أنحاء الإمبراطورية. ومن ناحية أخرى كان نفوذ لندن فى طريقه للتراجع أمام أمريكا القوى العالمية الجديدةالقادمة عبر الأطلنطي. ومن ناحية ثالثة كانت الأفكار الاشتراكية والنموذج السوفيتى جذاباً وسط الشباب والحركات التحررية خاصة بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية العميقة فى مصر. وأمام الخطر السوفيتي، قررت أمريكا تأجيل طموحاتها فى المنطقة والتعاون مع بريطانيا لمنع تمدد الافكار الشيوعية والاشتراكية. وتم تكريس التعاون الأنجلو أمريكى فى الشرق الأوسط فى «محادثات البنتاجون» فى وقت لاحق من عام 1945. وكانت خلاصة الدبلوماسية الأمريكية أن المصالح البريطانية والأمريكية فى المنطقة أصبحت الآن «موازية» بدلاً من «تنافسية». لكن فى الوقت نفسه أعرب أكثر من مسئول أمريكى فى هذه الفترة عن أسفه لما اعتبر «قصوراً بريطانياً لافتاً» فى تعاملهم مع الشرق الأوسط ، خاصة فيما يتعلق بالتحدى المتنامى من القومية. من ناحيتها، سعت بريطانيا ل «تحديث» وجه الإمبراطورية البريطانية عن طريق غرس مفردات جديدة تحدثت عن «الشراكة» بدلاً من «الهيمنة». وأعربت الحكومة البريطانية العمالية بزعامة كليمنت أتلي، التى تولت السلطة فى يوليو 1945، عن رغبتها فى العمل مع «الناس وليس الباشوات». لكن المفارقة أن بريطانيا بعد الحرب ورغم إعلانها رغبتها فى العمل مع «الناس» وليس «الباشوات» قررت فى نهاية المطاف تجميد دعمها لحزب الوفد والتعاون مع القصر والملك فاروق باعتباره «العنصر الرئيسى لاستمرار الاستقرار فى مصر». تفتت مثلث «القصر» و«السفارة» و«الوفد» هذه التحركات البريطانية أخفقت فى فهم التغييرات العميقة التى كانت تمر بها مصر والمنطقة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية. وهى التغييرات التى لاحظها مبكراً المؤرخ البريطانى السير هاملتون جيب، الذى كان من بين أولئك الذين أدركوا فى ذلك الوقت أن المشكلات التى تكتنف منطقة الشرق الأوسط. ومصر من ضمنها، غيرت نفوذ أركان المثلث التقليدى «القصر» و«الوفد» و«السفارة البريطانية». فقد سجل هاملتون جيب أنه للمرة الأولى فى حياته سمع تعبيرى «اضطرابات اجتماعية ، و«الثورة» فى الشرق الأوسط. أما البديل فلم يكن بالنسبة لتحليل هاملتون جيب سوى تحرك من الجيش المصري، أو تحرك من الإخوان المسلمين. كتب هاملتون جيب هذا وعينه على النفوذ المتنامى للإخوان المسلمين. لكن كلماته لم تصل إلى أسماع البريطانيين فقط، بل إلى أسماع الأمريكيين أيضا. ويقول مارتن فرامبتون فى كتابه «الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ العداوة والارتباط»، 672 صفحة، الصادر قبل أيام عن مطبعة جامعة هارفارد الأمريكية، إن تنظيم الإخوان لفت انتباه الدبلوماسيين الأمريكيين لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، وفى مطلع الأربعينيات تحديداً. قبل ذلك، لم يعيروا اهتماما يذكر للتنظيم. ووصف المسئولون فى المفوضية الأمريكيةبالقاهرة الإخوان بأنهم متورطون فى «أنشطة تخريبية». وفى رأيهم، كان الإخوان «يميلون إلى المزايدة لإعطاء ولائهم لمن يدفع أكثر».(ص 101). وأعرب مسئولون أمريكيون بالقاهرة عن اعتقادهم أن حكومة النحاس باشا هى السبب فى مد نفوذ التنظيم عقب اتفاقهم عام 1942 مع النحاس، الذى منحهم إعانات مالية وحصانة سياسية. ولهذا السبب، تعهد المسئولون الأمريكيون بمراقبة التنظيم عن كثب فى المستقبل. ويقول فرامبتون إن واشنطن قررت فقط مراقبة أنشطة التنظيم، لكن ترك التعامل معه بعد انتهاء الحرب العالمية لبريطانيا، بوصف لندن من سيتحمل مسئولية حماية مصالح الغرب فى مصر. الإخوان واستعراض القوة لم يفت على التنظيم ومؤسسه حسن البنا أن البيئة المتغيرة بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن أن تساعد التنظيم على النمو والانتشار. وكانت رؤية البنا أن العالم يقف عند مفترق طرق: طريق يتجه نحو الشيوعية وروسيا السوفيتية. والآخر نحو الديمقراطيات الغربيةوبريطانياوأمريكا. وكان خيار التنظيم مغازلة المعسكر الثاني، بدون قطع كل الخيوط مع المعسكر الأول. وفى هذا الجو المشحون وبناء على طلب البنا، بدأ التنظيم محاولة بناء مجموعات موالية له داخل قوات الأمن والجيش. وأنشئ قسم فى التنظيم لهذا الغرض تحديداً. أما على الصعيد السياسي، فقد فاز الحزب السعدى برئاسة رئيس الوزراء أحمد ماهر فى انتخابات 1945. وعقب انتصاره، أعلن أحمد ماهر دخول مصر فى الحرب إلى جانب الحلفاء. ولم يكن الأمر أكثر من مجرد لفتة رمزية بالنظر إلى أن الحرب كانت تقترب من نهايتها. وكان هدف ماهر هو ضمان مكان لمصر فى مؤتمر السلام القادم فى سان فرانسيسكو، على أمل أن يستخدم قرار انضمام مصر إلى جانب الحلفاء فى الحرب، للضغط على البريطانيين لمنح مصر استقلالها. لكن ماهر دفع ثمن هذه الخطوة بحياته. ففى طريقه للخروج من مجلس النواب حيث كشف عن القرار، قتل بالرصاص. وبرغم قصر فترة ماهر على رأس الحكومة، إلا أنه وضع مطالب مصر الوطنية على الأجندة السياسية الدولية. وخلف ماهر، نائبه محمود فهمى النقراشى باشا، الذى كان مصمماً على المضى قدماً فى سياسات سلفه. ويقول فرامبتون إن الوثائق وبرقيات السفارة البريطانية تظهر منذ البداية، استياء السفارة من النقراشى باشا، الذى وصفه السفير لامبسون بأنه يشبه «مدير مدرسة صارم وضيق الصدر». كانت الدوائر البريطانية تنظر إلى رئيس الوزراء الجديد على أنه «قومى من النوع الأكثر تطرفا» و«يُخشى أنه لن يلعب الكرة بالطريقة التى يرغب بها البريطانيون». وكان هذا التقييم صحيحاً. فقد تم إرسال وفد مصرى إلى مؤتمر سان فرانسيسكو. وأعلنت الحكومة علناً عن نيتها فى تحقيق تطلعات مصر الوطنية. ودعا النقراشى إلى «انسحاب جميع القوات البريطانية» من مصر. ذراع لضرب التيار اليساري ويوضح فرامبتون أنه وعلى هذه الخلفية، أعطى الإخوان فى البداية دعماً حذراً لحكومة النقراشي، وأيدوا موقفه من القضية الوطنية. لكن كان من الواضح أن زعيم الإخوان المسلمين، البراجماتى الأبدي، رأى أيضا أن موقفه هذا يقربه من حكومة النقراشى ويفتح باب تحالف بين الوفد والإخوان. وبحسب الكثير من المؤرخين، فإن حكومة النقراشى بتقاربها مع الإخوان كانت ترغب فى استغلال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من أجل مكافحة النفوذ المتزايد للجناح اليسارى للوفد والشيوعيين فى الحرم الجامعي. ولتحقيق هذه الغاية، يقول فرامبتون إن رئيس الوزراء النقراشى باشا توصل على ما يبدو إلى اتفاق مع البنا، مما وفر تمويلاً جديداً للتنظيم، وهو ما مكن من بناء مقر جديد للإخوان. وكان الثمن صمت التنظيم عن ملاحقات الحكومة للجناح اليسارى والشيوعيين فى الحرم الجامعي. وكان تأثير ذلك هو تقسيم الحركة الطلابية إلى تيارات متضاربة ومتباينة. وبهذه الطريقة، اختار البنا مسار الواقعية السياسية مع السلطة مرة أخري. تفاهمات البنا والنقراشى لم تكن تعنى أن الحكومة صدقت كل وعود التنظيم أو تعهداته. وأمرالنقراشى بالمراقبة المتزايدة للتنظيم حتى أثناء التقارب بينهما. ويشير فرامبتون إلى أنه خلال هذه الفترة كان البنا حريصاً على إرسال رسالة إلى الأمريكيين مفادها أن الإخوان «خير حليف لهم» فى المنطقة لمحاربة الشيوعيين. وبتحالفه مع النقراشى وإعلانه المتواصل رفضه للمد الشيوعي، أثار البنا، كما يوضح فرامبتون، اهتمام بعض المسئولين داخل الولاياتالمتحدة. وبعد عدة أشهر، قامت وحدة الشرق الأدنى فى الخارجية الأمريكية بتجميع تقرير طويل عن التنظيم. ويلاحظ التقرير استغلال التنظيم لبناء دولة يهودية على الأراضى الفلسطينية لمد النفوذ داخلياً وخارجياً عبر التواصل مع المسئولين والسفارات الغربية. من ناحيتها لاحظت لندن أن التنظيم بات أقرب إلى حزب سياسى منظم منه إلى تنطيم دعوي. ويقول فرامبتون إنه فى هذا السياق، التقى فى القاهرة عام 1946، السير والتر سمارت من السفارة البريطانية بحسن البنا، فيما يبدو ثانى لقاء من نوعه بين الاثنين. ويشير تقرير سمارت إلى أنه تحدث مع البنا فى منزله قبل ثمانية عشر شهراً. وفى تعبير عن ثقته المتنامية، أكد البنا أن «الأهداف الدينية فى الإسلام هى بالضرورة ... سياسية». وأهم من هذا أعاد البنا تأكيد ما سماه سمارت «أطروحته القديمة»، بأن «الإخوان المسلمين هم حلفاء بريطانيا الأكثر فائدة فى مجتمع مهدد بالانحلال». وشدد البنا على أن الإخوان المسلمين «هم أكبر حاجز ضد الشيوعية». «وأكبر عامل لتحقيق الاستقرار».. ويقول فرامبتون إن إرهاصات الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفرت فرصة ذهبية للإخوان للعب على تناقضات المحاور المختلفة والاستفادة من تلك التناقضات. فلاول مرة يكون الطابع الدينى للتنظيم ميزة واضحة لمواجهة التهديد الشيوعى المحتمل. هذا النهج الإخوانى وجد بعض الداعمين وسط البريطانيين والامريكيين وداخل القصر والحكومة. وبات البعض داخل الدوائر المصرية مقتنعا بهذا المنطق. ويوضح فرامبتون فى كتابه أن حليفا مقربا من الملك فاروق، وهو حسن رفعت، قال للدبلوماسى البريطانى والتر سمارت إنه يعتقد أن الملك فاروق يجب أن يعطى «القليل من التشجيع» للإخوان المسلمين باعتبارهم «أفضل أداة لمحاربة الشيوعية». وفى رأى رفعت، كان نمو الإخوان «طبيعيا» وليس هناك شيء فيه مثيرا للقلق، مؤكداً أيضا أن البنا «قابل للاعتدال». واعترف رفعت بأن الإخوان قبلوا فى الماضى أموالا من الإيطاليين والألمان، قائلاًإن هذه الأموال لم تنفق على أمور شخصية بل على التنظيم، وهذا فى رأيه جعل قبول الأموال من جهات خارجية «أقل استنكاراً». ونتيجة لذلك، شعر رفعت بأنه «من المنطقى محاولة استغلال نفوذ الإخوان من أجل مكافحة الشيوعية». ويشير فرامبتون إلى أن تلك الحجة لم تقنع كل المسئولين البريطانيين. وقد عبر أحدهم عن شكوكه حيال النيات الديمقراطية والقيمية لتنظيم الإخوان المسلمين. من جانبه، استمر السير والتر سمارت فى رؤية الإخوان باعتبارهم «جماعة ظلامية تكن الكراهية للأجانب». كما اعتبر عرض حسن البنا التحالف مع البريطانيين وحكومة النقراشى مجرد مثال آخر على ميل زعيم الإخوان إلى المناورة السياسية.وجادل سمارت بأن الإخوان أرادوا «تجنب الصدامات»، سواء مع السلطات المصرية أو مع البريطانيين، فقط من أجل تسهيل نموهم الخاص كتنظيم. وعلى هذا الأساس، خلص سمارت إلى رفض أى تقارب مع التنظيم. كما حذر من خطر تشجيع الاخوان المسلمين «الذين قد يصبحون فى يوم من الأيام أكثر قوة بما يمنع التعامل معهم بسهولة». لكن على النقيض، رأى آخرون أن سمارت وغيره من المسئولين البريطانيين يعملون ضد توجهات الرأى العام المصري. ومع الخلافات بين النقراشى والبريطانيين على خلفية الموقف من الإخوان والمطالب الوطنية المصرية، غادرت حكومة النقراشى وحلت محلها حكومة صدقى وسرعان ما ظهرت معالم تواصل بينها وبين الإخوان، مما أثار غضب دبلوماسيين فى سفارة لندن. وتعمقت الشكوك عندما قام رئيس الوزراء بعد تنصيبه بإجراء مكالمة تليفونية مجاملة لمقر جماعة الإخوان المسلمين. ولاحقاً، وافق صدقى على إطلاق سراح جميع الطلاب المسجونين من الإخوان. كما أزال الحظر المفروض على اجتماعات الإخوان. وتجددت التقارير حول مساعدات مالية من الحكومة للتنظيم. وبعد ذلك بفترة قصيرة، تم منح الإخوان رخصة إصدار صحيفة يومية ورخصة توزيع، ما سمح بإطلاق الطبعة اليومية للإخوان المسلمين فى ربيع 1946 تحت رئاسة تحرير القيادى المقرب من البنا أحمد السكري. مقامرة القصر وكان تقييم السفارة البريطانية، أن رئيس الوزراء والقصر مستعدان للعب دور «الأبطال القوميين» بالاعتماد على «أخطر عناصر» المجتمع المصري،وهم الإخوان. ومع جمود مفاوضات الاستقلال بين مصر وبريطانيا والأعمال الإجرامية للعصابات اليهودية فى فلسطين، سادت خلال 1946 موجة من العنف والاضطرابات والاغتيالات وحرق دور السينما. وحُوصرت كل التنظيمات باستثناء الإخوان الذين اتهموا حزب الوفد باختراق الشيوعيين له، وذلك كى يعزز الإخوان اتصالاتهم مع حكومة صدقى مقابل تهميش الوفد. وكانت طموحات التنظيم، أن تطلب حكومة صدقى من الإخوان إرسال ممثلين عنهم كى يشاركوا مع وفد الحكومة فى المفاوضات مع بريطانيا. لكن هذا لم يحدث. كما لم تؤد المفاوضات إلى شيء. وتدهورت علاقة الإخوان مع حكومة صدقى بسبب اتفاق صدقى -بيفين الذى لم يحقق مطالب الحركة الوطنية المصرية. وعلى ضوء هذا، يوضح فرامبتون أن الإخوان حاولوا التقارب مع «الوفد» و«مصر الفتاة». ثم ارتبطوا بمحاولة اغتيال فاشلة ضد محمد حسين هيكل، زعيم حزب الأحرار الدستوريين. وبالتالي، أعلنت حكومة صدقى تحقيقاً فى أنشطة الإخوان المسلمين. ومع تزايد العنف، أعاد الملك فاروق النقراشى رئيسا للوزراء. وألغى المفاوضات مع بريطانيا مفضلاً استراتيجية بديلة وهى ممارسة الضغط الدولى عبر الأممالمتحدة لتحقيق الجلاء البريطانى الكامل عن مصر. ومع فشل طرح قضية مصر أمام الاممالمتحدة بسبب تمتع بريطانيا بحق النقض، توافقت القوى الوطنية على العمل على إلغاء معاهدة 1936 وسط دعوات بمظاهرات عارمة. على خلفية كل هذا، يوضح فرامبتون، عقد مسئول رفيع المستوى فى السفارة الأمريكية، وهو فيليب أيرلندا، اجتماعاً مع حسن البنا لمناقشة الوضع السياسي، وهو أول اجتماع كبير بين دبلوماسى أمريكى وزعيم الإخوان المسلمين. وفى الملاحظات التى سجلها أيرلندا عن اللقاء يقدم صورة حية عن البنا كرجل مندفع وعصبى سريع الكلام وحاضر البديهة. ويلاحظ أيرلندا التباين بين تصريحات البنا السلمية، وبين ممارسات التنظيم على الأرض. ووفقاً للدبلوماسى الأمريكى فقد أمضى البنا الكثير من هذا الاجتماع منتقداً خصومه الداخليين، ساعياً إلى كسب تأييد الولاياتالمتحدة. فقد أدان الوفد، على سبيل المثال، باعتباره يضم «شباباً خفاف الدماغ مأجورين من السوفيت». علاوة على ذلك، وفى إشارة واضحة إلى المصالح الأمريكية ، أشار البنا للإسلام باعتباره «الحاجز العظيم» للشيوعية. وعلى هذا الأساس، أراد البنا التحالف مع الولاياتالمتحدة ، واقترح أن «أمريكا والإخوان يجب أن يصبحوا حلفاء فى محاربة الشيوعية». ولتأكيد دورهم فى التصدى للمد اليسارى فى مصر، ساعد الإخوان فى مايو 1946،على إنهاء إضراب عمال النسيج فى ضاحية شبرا فى القاهرة احتجاجاً على الظروف المعيشية وشروط العمل. وخلال هذه الفترة اشتبكوا مراراً مع اليساريين فى شوارع مصر بدعم من البريطانيين والقصر والحكومة. وخلال هذه الفترة أيضاً، بدأ التنظيم يتباهى علانية بقوته العسكرية من أجل إقناع الأمريكيين بأنه أفضل حليف يمكن التحالف معه لضرب الحركة اليسارية فى مصر. وشدد البنا على حجم وإمكانات الإخوان. محاولات البنا تأكيد أن الإخوان يمكن أن يشكلوا رصيداً حقيقياً للأمريكيين فى مصر، انتكست مع موجات من المواجهات والعنف واغتيال شخصيات بارزة على رأسها القاضى أحمد الخازندار ومحاولة تفجير منزل النحاس باشا واغتيال قائد شرطة القاهرة سالم ذكى باشا. «فرانكشتاين» الذى دعاه الملك وفى مايو 1948، تم فرض الأحكام العرفية وتعيين النقراشى حاكماً عسكرياً ووضعت قيود جديدة على الحريات المدنية وتراجعت العلاقات بين الملك والإخوان. ووصف دبلوماسى فى السفارة الامريكية الإخوان آنذاك ب «فرانكشتاين» الذى رعاه الملك لضرب الوفد. وفى 8 ديسمبر 1948 ، أصدر النقراشى إعلاناً عسكرياً يأمر بحل الإخوان. وفرضت الإقامة الجبرية على حسن البنا. لكن البنا ظل متحدياً للقرار. وفى مقابلة مع «روز اليوسف»، قال إن «سحب شهادة ميلاد الرجل لا يفقده وجوده ، على الرغم من أنه يجعله يفقد شخصيته من الناحية القانونية». ثم كانت الجريمة التى غيرت كل شيء وهى قتل رئيس الوزراء النقراشى باشا على يد عضو فى الإخوان ، وتفجير مكتب المدعى العام الذى كان يقوم بالتحقيق فى اغتيال النقراشي. فبعد ذلك بقليل وفى فبراير 1949، قُتل حسن البنا نفسه. ومال البريطانيون إلى فرضية أن القصر وراء الاغتيال. وباغتيال رئيس الوزراء النقراشى باشا على يد عضو بالإخوان، واغتيال البنا بعد ذلك، أغلقت صفحة من تاريخ ملتبس حافل بالتناقضات بين التنظيم فى سنوات تكوينه الأولى والسلطات المصرية والبريطانيين. هذه الصفحة كانت الأساس الذى ستبنى عليه مستقبلاً ملامح العلاقة بين تنظيم الإخوان والدولة المصرية من ناحية، وتنظيم الإخوان والغرب من ناحية ثانية خلال عقود الخمسينيات وحتى مطلع الألفية الجديدة. وفى تقييم كاشف كتبه جيمس هيورث- دون، المستشرق والباحث فى السفارة البريطانية فى القاهرة خلال تلك السنوات، يقول إن الصدام بين الإخوان والطبقات الحاكمة فى الدولة المصرية كان أمراً حتمياً. فالخلافات لم تكن سياسية، لكن ايديولوجية وفكرية بالأساس. لكنه حذر من أن «أفكار» حسن البنا، يمكن أن تكون أطول من عمر صاحبها. ويوضح فرامبتون أن آراء مماثلة كانت سائدة فى وزارة الخارجية الأمريكية. فقد استنتجت إحدى الأوراق، غير المؤرخة والمجهولة الاسم، أن الإخوان لن يختفوا و«سيعملون تحت الأرض إذا لزم الأمر» وسيلجأون للعنف. وهو ما أثبتته تطورات العقود اللاحقة. « تمت»