«شهد» تلك الطفلة التى لم تتجاوز سنوات عمرها الثلاث كانت ضحية أحد هؤلاء الآباء الذى لم يقدر معنى الأبوة أو يترك نفسه لعاطفتها بعدما تجاهلت شريكته (الزوجة) هى الأخرى معنى الأمومة واستحالت بينهما العشرة لتغادر بلا عودة، فانهال على الصغيرة ضربا وتعذيبا وأمعن فى ذلك بتجويعها وتركها بلا طعام حتى فاضت روحها لتنقذها من جحيم الحياة مع أب قاس بلا قلب. لم يتحمل والد الضحية قسوة الصدمة ومرارتها وأن تتخلى عنه زوجته بعد حياة زوجية فاشلة استمرت سنوات أنجبا خلالها طفلتيهما، وكان جرحه أكبر من أن يتعامل معه، وحال كبرياؤه دون أن يتفهم أن ماحدث كان نتيجة فشله هو الآخر فى الامساك بدفة العلاقة، فلم يستطع تخطى المحنة، واستسلم للحزن والمرض وقسوة القلب لتجنى الضحيتان الصغيرتان ثمن ما لم تقترفه يداهما بعدما استقر والدهما على أن يحتفظ بهما كدرس قاس وعقاب لوالدتهما لتخليها عنه وإيثارها نفسها وترك المنزل. لكن الطفلة الكبرى كانت أكثر حظا ولأنه لم يعد هناك ما يربطها بأبيها سوى العناد ورغبة ملحة فى الانتقام من أمها فقد تخلى بسهولة عنها تاركا إياها لعمتها لتكبر فى كنفها، لكن لم يكن هناك من يتحمل الصغيرة التى لم تتجاوز الثالثة بعد وهى المسكينة البائسة التى لا تملك بعد إطعام نفسها، فهى تحتاج من يكفلها ويرعاها لتبقى وتظل معه بمفردها تذكره دائما بالفشل ، صغر سنها وبراءتها ونداءاتها المتكررة لوالدتها وسؤالها الدائم عنها كانت تنغص عليه حياته، كل اعلان عن رغبة فى الذهاب إليها يذكره بما آلت إليه حاله، فلا يجد إلا أن يفرغ فيها همه وينفث عن غضبه، فتارة يضربها وأخرى يطفئ فى جسدها السجائر ، وكل ما ينوء بحمله الرجال، وكأنه يتمنى ان تصل إلى والدتها التى لم تعد زوجته، ولا يملك أن يصل إليها، فحول بطشه إلى الصغيرة التى كان ينفذ فيها مراده، وكأنه يجد اللذة فى إيذانها، لتظل على هذه الحال تتحمل وحدها كل أنواع الألم النفسي، كل هذه القسوة التى لا يطيقها الكبير حتى رق لها قلب من حولها واصطحبوها لإنقاذها وتم نقلها إلى المستشفي. لكن الجسد النحيل البائس لم يتحمل لتفيض روحها إلى بارئها بعدما توقف قلبها وهو يشكو لربه ما ألم به. ومن خلال فريق بحث أمر به اللواء محمود خليل مساعد مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام، تمكن الرائد نبيل غيث رئيس مباحث المركز من ضبط الاب بينما كانت محاولات بائسة تجرى لإنقاذها دون استجابة. بينما توصلت التحريات الى أن والدى الطفلة منفصلان منذ أشهر وأن الطفلة تعانى قسوة العيش مع والدها الذى أصر على بقائها معه وحرمانها من أمها كنوع من العناد والتحدى دفعت ثمنه المسكينة مع اصابته بمرض نفسى وهجر زوجته له ، وانه كان ينهال عليها ضربا كلما ارتفع صوت بكائها وأبدت رغبتها فى الذهاب لوالدتها، كما كان يحرمها من الطعام، وأمام النيابة التى تولت التحقيق بإشراف المستشار المحامى العام لنيابات جنوبالشرقية أقر أنه كان يعنفها ويحتجزها ويحرمها من الطعام كعقاب لعدم تحكمها فى الإخراج خوفا عليها لصغر سنها وضعف بنيتها فقررت النيابة حبسه فهل تكون رسالة لكل أب أقبل ان يتملكه الندم.