الله يسر القرآن للذكر وأمرنا سبحانه بتدبره وهو ما يتضح في قوله تعالى : "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"، ومعنى كلمة مُّدَّكِرٍ أي متدبر لآيات الله ، كما يتضح لنا من قوله تعالى : كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وقوله تعالى : كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ وقوله تعالى : "أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" ؛ أن الله فصل الآيات ليتفكر بها الناس وأنه من الطبيعي أن يكون لكل قوم دورا في التدبر والتفكر على مر الأزمنة لاستبيان مقاصد آيات الله. ومن جانبي لم اقتنع يوما أن مقصد الله بكلمة ضرب الزوجات هو الضرب بالمفهوم الأعجمي العامي وكنت على يقين أنه لابد أن يكون للكلمة معنى ومقصد آخر في اللغة العربية وفي القرآن يريده الله سبحانه وتعالى ولم يقتنع عقلي ولا قلبي بتفسير بعض المفسرين بأن مقصد الله هو الضرب غير المبرح أو الذي لا يسبب ضررا ؛ لأن الضرب بأي صورة به إهانة لكرامة الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى وفضله عن سائر المخلوقات. والحمد لله وقعت مؤخرا على أكثر من تفسير منطقي وعقلاني ومنصف لآية الله وللإسلام والتسليم لكلام ومقاصد الله بالقرآن ، فهناك تفسير لمعنى الضرب بالمباعدة في صفحة أقنعني الإلكترونية لقول الله تعالى : {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء34 يتضح لنا بآية الله إن العقوبة للمرأة الناشز أي المخالفة ، عقوبة تصاعدية ؛ بالبداية تكون بالوعظ والكلام الحسن والنصح والإرشاد ، فإن لم يستجبن فيكون الهجر في المضاجع أي في أسرّة النوم وهي طريقة العلاج الثانية ولها دلالتها النفسية والتربوية على المرأة والهجر هنا في داخل الغرفة أما (واضربوهن) فهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو العصا لأن الضرب هنا وهو كما أوضح المفسر يعني المباعدة أو الابتعاد خارج بيت الزوجية. ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه لأن الله يسر القرآن للتدبر والتفكر ، فقد تتبع المفسر معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب ، ووجد أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل ، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب). وتتبع المفسر كذلك في المعاجم وكتب اللغة والنحو معنى كلمة ضرب ووجد أن معنى ضرب أي فرّق وباعد أو عزله عن محيطه أو فصله عن جسده : فيقول العرب : (ضرب الدهر بين القوم) أي فرّق وباعد بينهم و(ضرب عليه الحصار) أي عزله عن محيطه و(ضرب عنقه) أي فصلها عن جسده ويُقال في الأمثال (ضرب به عُرض الحائط) أي أهمله وأعرض عنه فالضرب إذن يفيد المباعدة والإنفصال والتفرقة والتجاهل ولو بصورة مؤقتة. وفي علم اللغة، نجد أن الضرب باستخدام العصا يستخدم له كلمة (جلد) والضرب على الوجه ( اللطم ) والضرب بقبضة اليد ( الوكز ) والضرب على القفا (الصفع ) والضرب بالقدم ( ركل ) وهنالك آيات كثيرة في القرآن تتبعها المفسر ووجد نفس المعنى للضرب بأنه المباعدة : والتي تتضح في قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى} طه 77 ؛ أي أفرق لهم بين الماء طريقاً. وقوله تعالى : {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الشعراء 63 ؛ أي باعد بين جانبي الماء. وقوله تعالى : "لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ" البقرة273 ؛ أي مباعدة وسفر وهجرة إلى أرض الله الواسعة. وقوله تعالى : {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ} المزمل؛20 ؛ أي يسافرون ويبتعدون عن ديارهم طلباً للرزق. وقوله تعالى : {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الحديد 13 ؛ أي فصل بينهم بسور. وفي قوله تعالى : {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء34 تحض الآيه على الوعظ ثم الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ؛ أي عدم الجمع بين الزوجين في فراش واحد ، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع ، فهنا (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل ولدينا كلمات نمارسها ايضا كإضرب عن الطعام أي امتنع عنه وتركه والاضرابات فى الجامعات او العمل مثلا ، فمعناها ترك العمل او الدراسة او اهمالهما والله تعالى أعلم. وهناك تفسير آخر لآية الله أكثر منطقية في صفحة أسرار القرآن الإلكترونية ، أوضح بها المفسر أن معنى ضرب الزوج لزوجته في لغة العرب يأتي كذلك بمعنى الجماع عند الفحولة وأن نشوز الزوجة كنشوز الرجل ومعناه عدم رغبة الزوجة أو الزوج في ممارسة الجماع مع الطرف الآخر وهنا تدرج الله في علاج هذه الحالة بالوعظ ثم الهجر في المضجع ثم الضرب أي الجماع عند الفحولة أو عند اشتداد الرغبة الجنسية عند الرجل وإن اطاعته الزوجة أي استجابت له واشتاقت إليه هى الأخرى بعد هجرها في المضجع تنتهي المشكلة وأن لم تطيعه فيحاولون الأصلاح بينهما بحكم من أهلها وحكم من أهله والله تعالى أعلم. [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي;