فى النصف الثانى من عام 2016 بدأت الأسعار فى التحرك نحو الأعلى وذلك عقب رفع أسعار الوقود والمحروقات ووجود بعض الأزمات فى بعض السلع الأساسية مثل السكر وبعض أصناف الأدوية فى ظل أزمة دولارية عاصفة ومناشدات من المؤسسات الدولية والمصرية تطالب بتصحيح الأوضاع.. وبالفعل صدرت قرارات تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 كأول خطوة لإصلاح الأحوال الاقتصادية وفى نفس اليوم وللتخفيف من الآثار السلبية على بنود الدعم فى الموازنة صدر فى مساء نفس اليوم قرارات برفع أسعار الوقود والمحروقات والتى أدى قرار تحرير سعر الصرف إلى مضاعفة القيمة النقدية لبنودها عما كان واردا فى الموازنة التخطيطية لعام 2016/2017 .. ويعتبر هذا اليوم هو الحد الفاصل بين مرحلتين لتصنيف ما قبل وما بعد برنامج الإصلاح الاقتصادى لأن ذلك أدى إلى ارتفاعات متوالية فى أسعار كافة السلع سواء المرتبط منها بالدولار بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر وتأثر كافة العمليات الإنتاجية والتشغيلية وارتفاع تكاليفها بشكل مفاجئ كحدث وان كان متوقعا من قبل كعملية إصلاحية لا غنى عنها.. وأمام هذه الحالة جاءت توقعات البنك المركزى بدخول الاقتصاد المصرى إلى حالة التضخم المخطط والمدروس بطبيعة الحال قبل اتخاذ قرارات تحرير سعر الصرف.. وعلى مراحل متتالية على مدار عام 2017 واجه البنك المركزى موجات التضخم بمجموعة من الأدوات النقدية وغير النقدية وكان على رأسها رفع أسعار الفائدة والدفع بأوعية ادخارية ذات عوائد عالية وخيارات متعددة عبر البنوك التجارية المصرية... وخلال 2017 استطاع الاقتصاد المصرى تجاوز صعوبات العام الأول فيما بعد التعويم وجاءت نتائجه واضحة باستقرار سعر الصرف وإلغاء القيود على الإيداعات والتحويلات الدولارية وعلى كافة العمليات المرتبطة بها، بل وبدأ السوق المصرى يشهد حالة من الاستقرار النسبى فى متوسطات أسعار السلع واختفت الكثير من أزمات المنتجات الأساسية.. ومع هذه الحالة المستقرة جاء إعلان البنك المركزى يوم الخميس 15 فبراير فى اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك فى ترجمة هذه النجاحات وقراءة الواقع المستجد الذى فرض اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيض سعر الفائدة بمقدار 1%.. وقد حرص البنك على أن يصاحب هذا القرار تأكيد على أنه انتهج سياسة نقدية بشكل استباقى ومؤقت من أجل تخفيف الضغوط التضخمية التى واجهها الاقتصاد المصرى والحد من آثارها على المواطن.. ويأتى هذا القرار بناء على رؤية رقمية يتبناها البنك حيث إن الانخفاض فى معدلات التضخم يسير وفق المخطط له قبل إعلان قرار تحرير سعر الصرف 2016 ففى نوفمبر 2017 حدث تراجع فى المعدل السنوى للتضخم العام ليسجل 26% وليسجل 17%فى يناير 2018 بعد أن بلغ ذروته عند 33% فى يوليو 2017... ورغم أهمية الاتجاه إلى خفض سعر الفائدة كمؤشر على تحسن المعدلات الاقتصادية إلا أن تحسن مؤشرات أخرى ذات أبعاد اجتماعية يعطى الأمر أهمية قصوى وخاصة انخفاض معدل البطالة إلى 11.3% وهو اقل معدل له منذ ديسمبر 2010 وأيضاً استمرار معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى فى الارتفاع بمتوسط 5% خلال 2017 وهو ما يعنى الدخول فى البدايات الأولى لمراحل جنى الثمار بالنسبة للمواطن فى مقابل الدخول لنفس المرحلة للمستثمرين والشركات بالاتجاه نحو خفض سعر الفائدة... فإذا كان البنك المركزى قد اتجه فى تنفيذ سياسته السابقة إلى رفع معدلات رفع الفائدة بمعدل 7 نقاط مما كان له آثار جانبية سلبية على حركة الاقتراض والاستثمار وتوسعات المشروعات القائمة وتنفيذ مشروعات جديدة فى ظل ارتفاع تكاليف حركة القروض بما لا يتناسب مع أى دراسة جدوى اقتصادية جادة، فإننا الآن ومع هذا القرار الذى اتخذه البنك المركزى يوم 15 فبراير نكون أمام مرحلة جديدة وهى مرحلة الانطلاق نحو ضخ استثمارات وقروض فى شرايين الاقتصاد المصرى وتشجيع المستثمرين على تنفيذ خططهم التوسعية فى المشروعات القائمة والبدء فى تنفيذ المشروعات المخطط لها... ومن المأمول أن يتجه البنك المركزى إلى الإسراع فى خطوات خفض أسعار الفائدة والرجوع بها إلى الخلف ليس فقط سبع نقاط بل قد نطمح فى مراحل متقدمة مع توازن معطيات الواقع الاقتصادى إلى أن تصبح عشر خطوات للخلف بما يعنى بيئة أكثر جاذبية لمزيد من الاستثمار والانطلاق الاقتصادي..