الوشائج مابين العربية والإسبانية ممتدة وموصولة، فالعلاقات التاريخية ومرجوعها الثقافى والحضارى غنى عن التعريف، وإن كان جل اهتمام الباحثين العرب المتخصين فى اللغة والدراسات الإسبانية قد انصب على الميراث والتراث الأندلسى وقلما توجهت الأعين صوب الشعر. ومنذ بدأت سنين دراستى الأول وتخصصى فى اللغة الإسبانية وآدابها كان الشعر هاجساً مقيماً يكاد لا يفارق دراستى وأبحاثى إلى أن عزمت على خوض غمار التجربة والبدء فى ترجمة الشعر، وكانت بداية مزدوجة المسار، إذ بدأت فى ترجمة الشعر من العربية إلى الإسبانية ومن الإسبانية إلى العربية وبتشجيع كبير من بعض القامات فى الشعر العربى الحديث الذين منحونى شرف ترجمة نصوصهم الغالية، وليس أعز على الشاعر إلا شعره، فبدأت التجربة بترجمة ديوان الشاعر السعودى على الحازمى وتلاه المصرى أحمد الشهاوى والأردنى على العامرى والشاعرة الإماراتية خلود المعلا والشاعر العمانى حسن المطروشى والسعودى على الدمينى والسودانى يوسف الحبوب. وقُرأت هذه الترجمات فى مهرجانات دولية بإسبانيا وأمريكا اللاتينية فى كل من المكسيك والأرجنتين وكوستاريكا وغيرها فضلا عن الولاياتالمتحدة. وهكذا صارت الترجمة مرآة انعكس فيها مكنون النفس العربية المسكوت عنه، ومهدت طريقا للعربى والعربية إلى العالم الناطق بالإسبانية، وقد يبرز فى هذه الحالة تساؤل: ولما لا يترجم العالم الإسبانى شعرنا إلى العربية ونكتفى نحن بالترجمة من الإسبانية إلى العربية، ذلك أن الجهد الذى يؤديه المترجم هنا مضاعف، فبدلاً من نقل عيون الأدب الناطق بالإسبانية إلى العربية يجد نفسه مضطراً إلى الاضطلاع بمهمة زميله المستعرب الذى لا يجد الحماس الكافى لترجمة الشعر العربى، سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بالمهمة الشاقة أم ضعف العائد المادى أو أسباب أخرى. وهنا نعيد التساؤل الذى بدأنه به حديثنا عن ترجمة الشعر العربى إلى الإسبانية، ذلك أننا لو اعتمدنا على ترجمة المستعربين الإسبان لنا فسنظل محل انتظار المصادفة التى قد لا تاتى أو تتأخر أو لا يصادفنا هواها. وعليه فإن ترجمة شعرنا العربى إلى اللغات الأجنبية وبينها الإسبانية يصير بالنسبة إلينا المتخصصين فى هذا الحقل بمثابة واجب حتمى، مثل «الخيط المسحور» ل على العامرى، و«سماء باسمى» لأحمد الشهاوى، و«أمسك طرف الضوء» لخلود المعلا، و «تمثال الماء» لعلى الدمينى وغيرها من الدواوين العربية المترجمة إلى الإسبانية خطت بحروف من نورصلات الفكر والتنوير والأخوة ما بين العالمين العربى والإسبانى والأمريكى اللاتينى، وبعثت برسالات سلام ومودة غالباً ما تعجز السياسة والوسائل النمطية عن تقديمها، وهكذا تتحقق استدامة الشعر رسولا وصديقا للبشر والثقافات والأزمنة المقبلة. أستاذ الأدب الإسبانى بجامعة القاهرة