في حياتنا اليومية ، قد نقابل أشخاصا لا هم لهم سوى الإساءة للآخرين والاستمتاع بإيذائهم وهؤلاء الأشخاص كما يؤكد علم النفس يعانون من الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس ولذا يلجأون إلى إسقاط ما بهم من نقص على الآخرين ويقومون بالتركيز على نقاط ضعف الآخرين وتضخيمها أو الافتراء عليهم بما ليس بهم اذا لم يجدوا عيوبا تذكر بهم . هؤلاء الأشخاص عندما يقابلون من هو أفضل منهم ، لا يفكرون كيف يرتقون لمستواه ولكنهم يعمدون إلى التجريح به والاستهزاء من قدراته ومميزاته والتركيز على سلبياته وتضخيمها وتصدير الاحباط له ومحاولة السيطرة عليه حتى ينزل هو إلى أسفل ، عوضا عن محاولتهم الصعود إلى أعلى . تذكر دائما أن السخرية نابعة من ضعف الشخصية والشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس ، و في الغالب لا تقوم على أساس أو سبب وجيه ؛ لذلك لا تفقد أعصابك أبدا ، و لا تشعر الساخر المستفز لك أنك مهتم لما يقول على الأطلاق أو أن ما قاله يضايقك ؛ فقط دعه يحترق بناره. كل ما عليك فعله تجاه هؤلاء هو تجاهل ما يقولون والمحافظة دائما على ثبات أعصابك وابتسامتك الهادئة ، لكي يتأكدون أنهم لا يؤثرون سلبيا بك وانه لا جدوى من محاولاتهم الناقصة لمضايقتك. يجب أن تتحلى دائما بالثقة بالنفس ولا تجعل شخص قليل الأخلاق أن يعكر مزاجك وصفو يومك ويدفعك لعدم تحقيق إنجازاتك وأهدافك اليومية في الحياة أو أن يسيطر عليك لتعيش مثله وكما يريد هو ، لا كما تريد انت . ويحضرني ما قاله الشافعي : اذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من اجابته السكوت فان كلمته فرجت عنه وان خليته كمدا يموت يخاطبني السفيه بكل قبح فاكره ان اكون له مجيبا يزيد سفاهة وازيد حلما كعود زاده الاحراق طيبا وهناك كذلك قول شهير لهتلر : عندما تحب عدوك فأنه يحس بتفاهته والدراسات النفسية الحديثة وجدت أن هؤلاء الأشخاص يقومون بتصدير طاقة سالبة تؤذي مشاعر من يحقدون عليه أو يسخرون منه وقد تصيبه بالشعور بالإجهاد والتعب والضيق الشديد وأن أمثل حل لكي لا يتأثر الشخص بطاقة هؤلاء السالبة لطاقته ، هو مقابلتهم بطاقة موجبة وعدم إتاحة الفرصة لهم لاستفزازه واستدراكه للدخول معهم في دائرة طاقتهم السالبة ... وهذا يتضح في قوله تعالى : " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ “ الله يريدنا في الآية السابقة أن ندفع بحلمنا جهل من جهل علينا وبعفونا إساءة من اساء إليك وبصبرنا مكروه ما نلقاه من قِبل المسيئين من حولنا ويوضح الله لنا بالآية ، إنه عندما نتحلى بالصبر عند الغضب ونتسم بالحلم والعفو عند الإساءة ؛ فإن الله يعصمنا ويخضع لنا عدونا وكأنه وليّ حميم. أن معاملة الشخص الذي يعادينا بصورة طيبة ، تقطع عليه كل الطرق لمعادتنا وبذلك لا يستطيع تفريغ شحنته السالبة وما يعانيه من نقص بنفسه في نفوسنا . ويقول الله تعالى : "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ ۗ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ. في الآية السابقة يوضح الله تعالى أن من يرد السيئة بالسيئة ليس مذنبا ولكن الأفضل له أن يعفو ويسامح من اساء إليه وأن صبره وعفوه من عزم الأمور له. وهو ما يتضح كذلك في قول الله تعالى : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ حيث يوضح الله لنا بالآية السابقة أن المؤمن ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله الذي لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ سبحانه وتعالى، فهو نعم المولى ونعم النصير والله تعالى يتولى الانتصار لمن توكل عليه وأن المؤمن إن قابل السيئة بالحسنة ؛ كان انتصار الله أشفى لصدره وأرسخ في نصره . وفي الحقيقة فإن مقابلتنا السيئة بالحسنة لا يعود بالنفع علينا في صحتنا النفسية في الدنيا فقط من خلال التخلص من الطاقة السالبة للغضب وللكراهية والانتقام وإنما كذلك يعود ذلك علينا بالنفع في الآخرة من خلال مغفرة الله لذنوبنا كما نغفر نحن إساءة الناس لنا بالدنيا وهو ما يتضح في قول الله تعالى : وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. نحن عندما نعفو ونحسن لمن اساء إلينا ، نسلبه قدرته في التأثير السلبي علينا ولا ندعه يصدر لنا ما به من طاقة سالبة ونقص بشخصيته وإحباط وغضب وضعف إيمان بالله وقلة رضا بعطايا الله له ونفوز كذلك برحمة الله وغفرانه لذنوبنا في الآخرة. [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي;