أتابع مقالات الأستاذ علاء الأسواني في جريدة الشروق, وذلك بالقدر الذي حرصت فيه علي متابعة مسيرته الأدبية منذ أن قرأت عمارة يعقوبيان للمرة الأولي من منشورات ميريت, ولا أزال أتابع مقالاته في الشروق مع تحوله إلي ناشط سياسي. ويعجبني فيها إلحاحه علي أن يختتم كل مقال بشعار الديموقراطية هي الحل ولا شك أن الشعار صحيح, وأن طريق المستقبل يبدأ منه. لكن الايمان بالديمقراطية لا يعني أن تكون النظرة أحادية البعد في كل الأحوال, وتلطيخ كل شيء بأوصاف الهجاء الذي لا يترك شيئا. وبقدر ما تعني الديموقراطية هي الحل حق الاختلاف وممارسة حرية الفكر وحق الكتابة بلا قيود أو تهديد, وهو أمر مكفول في حالة علاء الأسواني الذي لم أسمع عن كتاب له صادره أحد, أو رأي حاسبته عليه سلطة, فإن الديمقراطية تعني الموضوعية, وعدم تضخم الذات إلي درجة إلغاء كل المظاهر الايجابية, مهما كانت قليلة, كما تعني عدم الافتراء. وكان أول ما صدمني به علاء الأسواني في هذا الجانب, عندما سألني مراسل لإحدي وكالات الأنباء العالمية, نقلا عنه, في معرض تورينو للكتاب في ايطاليا, وكان علاء الأسواني يعامل معاملة النجوم العالميين, وكنا فرحين به وفخورين, ذلك لأن تكريم أي أديب مصري هو تكريم للمصريين جميعا, وللعرب بأسرهم. وكانت دهشتي بالغة حين سألني المراسل: هل حقا كتب علاء الأسواني ممنوعة في مصر؟ وأدهشني السؤال, فقلت للسائل: إن كتب علاء الأسواني متاحة في كل مكان في مصر, وأنها طبعت أكثر من مرة, وليس هناك أي منع أو حتي تضييق عليها, بل إن روايته الشهيرة عمارة يعقوبيان أصبحت فيلما ناجحا جماهيريا, وتحولت إلي مسلسل تليفزيوني ناجح قدمه تليفزيون الدولة الرسمي. ومرت الأيام, ونسيت السؤال والدافع الذي دفع المراسل إلي سؤالي, كما لو كان يتأكد من صدق ما قاله الأسواني. وأخذني إيقاع الأحداث المتسارع في وطننا الذي نعاني فيه, إلي أن قرأت مقال علاء في جريدة الشروق( يوم الثلاثاء30 من مارس الماضي) بعنوان ملاحظات مصرية علي تكريم فرنسي. والمقال خواطر عن احتفال كبير أقيم في معرض باريس للكتاب بمناسبة عامه الثلاثين, وقد دعت وزارة الثقافة الفرنسية بالاشتراك مع وزارة الخارجية ثلاثين روائيا فرنسيا, وثلاثين روائيا عالميا منهم الأمريكي بول أوستير والايطالي أمبرتو إيكو, والبريطانية دوريس ليسينج. ويأتي اسم علاء الأسواني ضمن كبار الروائيين في العالم. وإلي هنا والأمر مفرح, فلن يوجد مثقف مصري أو عربي يعترض علي مثل هذا التكريم الذي هو تكريم للرواية المصرية والعربية, وتأكيد جديد أننا نعيش في زمن الرواية فعلا, ليس علي المستوي العربي وحده, وإنما علي المستوي العالمي كله. ويحكي علاء الأسواني عن خواطره في الاحتفال, وعن وزير الثقافة الفرنسي الذي صافح الجميع بكل احترام وشكرهم علي قبول دعوته للتكريم, ثم ألقي كلمة جميلة عن أثر الأدب في تقدم الانسانية. وكل هذا مفرح ويدعو إلي تقدير علاء الأسواني. لكن هذا كله ينقلب إلي النقيض عندما يقارن بين ما يحدث في فرنسا وما يحدث في مصر, حيث يفارق الكلام الموضوعية ويتحول إلي مجرد سباب ما كان أغني عنه. فما ذكره يدني بمنزلته هو, ولا يؤثر تأثيرا حقيقيا في تحقيق أي هدف سوي الافتراء, خصوصا عندما يقارن علاء الأسواني التكريم الذي ناله من وزير الثقافة الفرنسي والتكريم الذي لم ينله من وزير الثقافة المصري الذي وضع لائحة عجيبة تجعل غالبية من يصوتون في لجان الجوائز من الموظفين التابعين له مباشرة.. الأمر الذي جعل جوائز الدولة المصرية مهزلة كبري فلا يكاد يمر عام واحد بدون فضيحة جديدة, فمرة يتم منحها إلي الوزراء أنفسهم, ومرة يتشاجر وزيران من أجل الحصول علي احدي الجوائز, ومرة تتأخر تعليمات الوزير لأنه مسافر, فيجتهد الموظفون ويختارون الفائز, ثم تأتي تعليمات الوزير علي عكس اختيارهم فلا يتحرجون اطلاقا من إعادة التصويت ليفوز من يريده الوزير أن يفوز... الحق أنني عندما قرأت هذا الكلام لم أشعر سوي بأن صاحبه يقوم بعملية تدليس واضحة, فأنا عضو في المجلس الأعلي للثقافة الذي يمنح جوائز الدولة, وعضويتي شخصية بحكم مكانتي الثقافية, فأنا لست موظفا رسميا في وزارة الثقافة, وحتي عندما كنت فلا أذكر أن وزيرين تعاركا علي جائزة, وإنما أذكر أن الدكتور فتحي سرور وإبراهيم نافع كانا ينافسان يونان لبيب رزق علي الجائزة الكبري فصوت أغلب الأعضاء للأكاديمي الفاضل رحمة الله عليه. وفي جوائز الدولة التقديرية, نال الجائزة روائيون من أمثال يوسف إدريس وإدوارد الخراط وخيري شلبي وفتحي غانم وعلاء الديب وسليمان فياض وجمال الغيطاني وصبري موسي وإبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد ويوسف القعيد, ومعهم صنع الله إبراهيم الذي تسلم جائزة ملتقي الرواية, ثم قرأ بيانه في أسباب رفضها. وبهاء طاهر الذي حصل أخيرا علي جائزة مبارك في الآداب, فكان الروائي التالي لنجيب محفوظ, متغلبا علي أحمد عبد المعطي حجازي بما يشبه إجماع الأصوات. وهؤلاء أمثلة من الروائيين الذين حصلوا علي الجائزة, ومنهم من قدم علاء الأسواني وشجعه, حين لم يكن أحد يعرفه من القراء, وعدد منهم دفع ثمن أفكاره غاليا, ولم يتاجر بكلمات أو شعارات مجانية, وكلهم لهم مكانتهم الابداعية التي قد تعلو علي مكانة علاء الأسواني الذي أصبح نجما عالميا لأسباب تنطوي علي نزوع استشراقي جديد, في إطار أدلجة الشرق العربي( العجيب, الغريب, الرهيب, القمعي) التي كشفها إدوار سعيد. أما عن المرة التي أغضبت فيها جائزة المجلس الأعلي الأكثرية الغالبة, فهي جائزة سيد القمني الذي يهاجم الأصولية الدينية, ويجتهد مثل اجتهادات علاء الأسواني, رغم أني أختلف معه شخصيا, ولا أوافق علي كثير من اجتهاده, ولم أمنحه صوتي, لكن اجتهاد سيد القمني له أجر, حتي في حالة الخطأ. والحق أقول إن جوائز الدولة التقديرية لم تترك روائيا مصريا, صنع منحني خاصا في الرواية العربية, إلا وذهبت إليه, متشرفة به. ولن أتعب نفسي في تخمين الأسباب التي أدت بعلاء الأسواني إلي ما افتراه, فما أعرفه, وأنا علي صلة بالمجلس الأعلي للثقافة, منذ ما يزيد علي خمسة عشر عاما, أن المجلس لم يصوت علي الجوائز مرة واحدة بعيدا عن الوزير أو في غيابه, ولا حدث فيه شيء من افتراء علاء الأسواني. والسؤال: هل يستحق المجلس الذي منح جوائز الدولة لفؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي ونجيب محفوظ وشوقي ضيف وصلاح عبد الصبور ويوسف إدريس ويونان لبيب رزق وجمال الغيطاني وإدوارد الخراط وخيري شلبي وإبراهيم عبدالمجيد وأحمد حجازي ومحمود العالم ولطيفة الزيات وغيرهم هذا الافتراء؟. نعم هناك كثيرون لم يحصلوا بعد علي جوائز الدولة. وأخص في مجال الرواية رضوي عاشور ومحمد البساطي ومجيد طوبيا وأبو المعاطي أبو النجا وجميل عطية إبراهيم وسلوي بكر, وكثيرين في بقية المجالات. وهناك ما يستحق التطوير في لائحة المجلس الأعلي للثقافة. لكن هذا شيء والافتراء شيء آخر. أما علاء الأسواني فمن حقه أن يفرح بالتكريم الفرنسي وجوائز دولية عديدة, فنحن سعداء من أجله, ونوافقه كل الموافقة عندما يقول الديموقراطية هي الحل, لكن مع ضرورة تذكر أن الديموقراطية قرينة الموضوعية وعدم الاستعلاء بالغرب الذي يحتفي بعلاء الأسواني أكثر من احتفائه بنجيب محفوظ ويوسف إدريس وجمال الغيطاني وبهاء طاهر, وغيرهم ممن هم أكبر قامة وقيمة إبداعية وفنية, وأعمق إيمانا بأن الديمقراطية هي الحل. فهم يصدقون قراءهم القول, ويناضلون من أجل توسيع الهامش الديمقراطي الذي يسمح للأستاذ علاء الأسواني بأن يكتب كل ما يشاء وما يراه في حرية كاملة, دون حجر أو مصادرة. وأخيرا نحن مع المطالبة بالتغيير الجذري في نظام الحكم, وندعو إلي الشفافية الكاملة, والقضاء علي كل فساد قائم, ونقول, في النهاية: الديمقراطية هي الحل, لتكشف أكاذيب الحكومة والمعارضة علي السواء.