غضبت .. تثاقلت خطوتى وارتخت عينى ، كدت أن أخرج عن شعوري وتجرأت ووقفت أمام الله بغضب أوجه له اللوم بسؤالى الاستنكارى. لماذا أنا ؟لماذا هذا المرض النادر، لماذا الآن ؟ ألست صغيرة على العجز ؟ ألم تر جهدى وطاقتى التى أهدرتها لتحقيق آمنياتى واتنازل لأجلها عن راحة بدنى وعقلى وأعصابى ؟ ألم تقرأ أفكارى التى اختزنها لتتوالد طموحات لم أبدأ بعد فى رسم مخطط لتحقيقها؟ ألم تخترق عالم أحلامى وتراها لازالت تحبو زاحفة نحو الواقع وأمامها الكثير من المعوقات التى أحاول تخطيها؟ألست أماً حديثة تزوجت صغيرة ورزقتنى من البنات والبنين من يمتعونى بكلمة ماما ، ومن لهم الحق فى الاستمتاع بحنانى ، وغضبى عليهم اثناء ايقاظهم مبكرا لمدراسهم، وفرحتهم بفنجان شاى وساندوتشين لمذاكرتهم ، والمصروف وحرمانهم منه فى الغلط والعيب ، ألم ترزقنى زوجا شابا وسيما كما تمنيته بالضبط دفعنا شبابنا وطموحنا وفقرنا للمعاناة بدلا من العشق والتفانى فى الحب كما حلمنا سويا ، ألم ترزقنى بيتا أسسناه بدمائنا وبنينا جدرانه براحتينا وبراحة بالنا وهوانا ؟ متى فى رأيك استمتع به ؟ متى أجلس باسترخاء على كنبتى أمام التلفاز اقزقز اللب والسودانى دون ان تبدأ كراكة الأفكار فى رأسى تفركنى لإنجاز مهام اضطرارية لسداد ديون ودفع ايجار ومصروفات مدارس ؟ ألم تكن حياتى صاخبة ومرهقة وحيوية ؟ كيف تسلبها منى فجأة وتتركنى مشتتة مندهشة مضروبة على رأسى مغيبة لا أريد أن أفيق لأرانى عاجزة ضالة هرمة ضعيفة بغيضه .. ياالله هلا سامحتنى بعد كل هذا الفكر الذى استغرق يوما لا أكثر ؟ لعلك غفرت لى بعد أن لطخت وجهى فى بساطك وروحت أتيه فى رحابك ووهبت قلبى ورزقى لمريدك ممن يقفون على باب رزقك وزادك ورحمتك ! لعلك سامحتنى عندما استوعبت الأمر ورضيت وخضعت لمشيئتك! خدعت كل من حولى بادعائى الرضا ، لكنى لم استطع خداعك بالطبع فقد علمت بكظم غيظى وغضبى ،ومع ذلك رحمتنى وغفرت لى ،شعرت بغفرانك عندما منحتنى القدرة على مقاومة المرض وتقبله والاعتياد عليه بكل معاناته وآلامه ومفاجآته الموجعه ، وسرعان ما استسلمت لحياتى هكذا وعشت لكى اتناول الدواء ، عشت كخيال مآته يقف حاجزا للهم عن اولادى ،ثم تراءت لى حكمتك فادركت كم أن مرضى أضاف لحياتى الكثير مما لم أستطع تحقيقه أبدا لو كنت بصحتى، أضاف لحياتى حياه ،جعلنى على الاقل استرخى وأتأمل ما أهدرته من وقت وجهد فى صناعة يوم جاف متبلد صلد لا يتلفح براحة البال ولا تزغزغه السعادة ، يوم بلا حب، انا التى كانت تفيض بالحب ،أين ذهبت رغباتى فى أن أرقص وأغنى وأسهر لوش الصبح يلفحنى الهوا الساقع على الكورنيش مع حبيب اخترته بكل جوارحى ؟ أين ذهبت أصغر طموحاتى فى أن أقف فى المطبخ مع بناتى نتعلم سويا اصول الطبخ ونخرج بأكله تجمعنا على مائدة واحدة نتناول معها الضحكات على الطعم الردىء والنفس ونقارنها بأكل طنط حنان زوجة عمهم ؟لماذا لم استمتع بالتجهيز لمصيف اسبوع كامل لا نفعل شيئا سوى السباحة والأكل والسهر والخروج والنوم دون أن أفكر فى العمل وزنقة منتصف الشهر ؟ جدران من حياتى انهارت عندما نخرها المرض ليطلعنى على حقيقة حياتى الفارغة الباهته التى سرقتنى وهى فى الحقيقة من قذفت بى للمرض وليس العكس ، أندم الآن كلما استرخيت ووجدت أن هناك اشياء كثيرة كان لابد أن افعلها باستمتاع وبحب وتأن ،بطريقه مختلفة طريقة العيش والحياه ، كان لابد أن أحب وأحيا بطاقة أخرى بدم ساخن بحنان غرائزى ليس بدافع الواجب ، الآن لا يفيدنى الندم بعد أن تأخر المرض عنى كثيرا ،ياليته جاء مبكرا قبل أن يمر من عمرى ما يقرب من ثلاثين عاما عشتهم بالخطأ ، عشت وكأنى لم أعش . لمزيد من مقالات ناهد السيد;