أولا هل انتهى الحوار الدينى إلى طريق مسدود ، أو قل هل أدى رسالته ولم يعد هناك جديد يناقشه المؤتمرون ، أزعم أن خلال أكثر من ثلاثين سنة تمت لقاءات بين الشرق والغرب، وأقيم حوار بين أصحاب الأديان وبخاصة بين الأئمة المسلمين والأئمة المسيحيين من الشرق ومن الغرب ،وشرفت بعضوية أغلب هذه اللقاءات، ولا يمكن إنكار الجهود الرائعة التى بذلت لتقريب فهم الإنسان لأخيه الإنسان المختلف عنه، وهذه المؤتمرات سكبت كثيراً من المودة وإن ظلت مجهودات لم تخرج عن جلسات النخبة أو المتخصصين، أى أن الحوار الدينى له رسالة حقيقية فى تقريب الضمائر والقلوب وتخفيف ما ورثناه من جفاء أو عداوة أو سوء فهم، وقد يكون مشروع «بيت العائلة» آخر ما قدم الحوار من ثمرة طيبة، فقد أحدث تقاربا ملموسا وتسامحاً واسعاً بين فئات المجتمع التى أقيم فيها مركز «بيت العائلة» ولكن ظل الخوف من الآخر وعدم إدراك معنى التنوع والتعدد فى الأديان هاجسا يؤرق ضمير الإنسان البسيط، فقد كانت الموضوعات التى تناقش فى اللقاءات المقفلة لا تخرج عن الفكر الدينى الأسير للفكر الماضي، ولما خرج الحوار إلى المجتمعات البسيطة المفتوحة عن طريق بيت العائلة، ظل التحفظ شديداً ويمكن بإيجاز القول إن الحوار الدينى النظرى أو العملى عن طريق بيت العائلة قد أثر فى أفراد قلائل من هنا وهناك ولكنه لم يتحول إلى ظاهرة فكرية اجتماعية. ثانيا: من كان المحاورون فى تلك الحقب؟ كانوا من رجال الدين، فى أغلبية ساحقة ينضم إليهم بعض المفكرين أو العلماء من غير رجال الدين أضف إلى هذا لم تكن «المرأة» قد دعيت إلى هذه اللقاءات مما أفقدها مصداقية تجسيدها للمجتمع كافة، وموقف رجال الدين شرقا وغربا من المرأة يكاد يكون واحدا، فالمرأة فى عرف الكثيرين لم تخلق لتناقش مثل هذه الأمور الدينية الخطيرة!! وربما حدث بعض التغيير فى هذا الموقف، إذ دعيت بعض النساء العالمات للمشاركة فى اللقاءات، غير أن الأمر لم يكن يتعدى «الدعوة الخاصة» وليس أسلوبا فى التعامل أو السلوك ، وينبغى ألا نضع المرأة الغربية نموذجا مثاليا للمرأة فلا تزال فكرة المرأة «سلعة» فى قانون السوق، ولم تختبر بعد النموذج الآسيوى أو الإفريقي، لذلك علينا أن نبحث فى تراثنا العربى الإسلامى والمسيحى عن نموذج فى التعامل مع المرأة نقدمه للعالم من خلال قوانيننا وتشريعاتنا وسلوكنا، وعليه نقول إن الحوار الدينى وصل إلى طريق مسدود، ترى ما هو البديل . ثالثا: البديل للحوار الدينى هو الحوار الفلسفى وذلك لعدة أسباب: أ - الفلاسفة العرب وفلسفتهم أقرب إلى العقل الغربى وفلسفته مثل الفارابى والغزالى وابن رشد والرازي، تقرأ لهم وكأنك تقرأ للقديس أغسطينوس، أو لديكارت، أو لعمانويل كانط ، وأوغست كانط ، ولا نعجب أن الترجمة من العربية إلى اللاتينية التى أعقبت عودة الأندلس إلى أوروبا قد أحدثت ثقافة عربية أوروبية مشتركة يمكن أن تكون قاعدة لحوار فلسفى لا يمس الأديان ولا يقرب من عقيدتها فالإنسان هو الإنسان شرقاً وغرباً، يمتلك تراثا فكريا فلسفيا رائعا يمكن أن نجد فيه ما يقرب الشرق بالغرب والغرب بالشرق. ب - الذى أقام حضارة أوروبا ليس رجال الدين وإن أسهموا جميعا فيها، ولكن الفلاسفة وأهل الفكر والأدباء والفنانين هم الذين أقاموا صرح هذه الحضارة ، وقل الأمر ذاته عن الحضارة العربية فلم ينشئها رجال الدين والأئمة وإنما الفلاسفة وأهل الفكر المبدع الخلاق، إننا فى حاجة إلى إحياء فلسفتنا العربية والعودة إلى ينابيعها لنخرج من مأزق التدين الظاهرى وأن تقوم الفلسفة بالحوار بين الشرق وبين الغرب. لمزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته