أحد العلامات البارزة في تاريخ الفلسفة بوجه عام، وفي فلسفة العصر الحديث بوجه خاص، كما يعتبر أكبر فلاسفة القرن الثامن عشر، استطاع بحياته وبمؤلفاته أن يُخلف في الحياة العقلية وفي الفكر الفلسفي أثراً باقياً سواء في عصره أو في الأجيال التى جاءت بعده، وتعتبر فلسفته ثورة كفلسفة سقراط الذي صرف الإنسان عن دراسة الكون إلى دراسة النفس. حدد كانط مهمة الفيلسوف تحديداً دقيقاً، فهو لا يعنيه أن يستكشف مبادىء الوجود، ولا أن يحصل لنفسه نظرة العالم، بقدر ما يعنيه أن يبحث في قوة العقل ليتبين اختصاصه وحدوده ومداه وأن يلتمس شروط المعرفة الإنسانية حتى أن بعض مؤرخي الفكر الفلسفي يذهبون إلى أن أقطاب الفلسفة منذ العصر اليوناني القديم حتى العصر الحديث أربعة : أفلاطون، أرسطو، ديكارت، كانط. صدر مؤخرًا، عن دار آفاق للنشر والتوزيع، بالتعاون مع المركز القومي للترجمة، ضمن مطبوعات سلسلة عقول عظيمة، الترجمة العربية لكتاب «كانط»، ل آلن وود، ترجمة الدكتور بدوي عبد الفتاح. يقدم الكتاب الفكر الفلسفي "لإيمانويل كانط"، خاصة للقراء الذين لم يعتادوا عليه، ومن أجل ذلك التزم المؤلف بالتوقف عند الحد الأدنى من المناقشات الفلسفية المتخصصة والهوامش، وفي هذا الأطار ضمّن كتابه بعض المراجع التي يمكن العودة إليها، بالنسبة لكتابات كانط، وإن كانت لاتزيد عن الحد الأدنى الضروري الذي يلزم توثيق أطروحاته عما يقول "كانط". ويؤكد المؤلف في تصديره للكتاب أن ما كتبه "كانط" هائل وكبير ومعظمه ذو قيمة فلسفية وثقافية رفيعة، مما جعله يضع في نهاية كل فصل توصيات بمزيد من القراءات الإضافية آملاً أن تكون تلك الكتب هي الأفضل بالنسبة للموضوعات التي يناقشها الفصل. هكذا يقدم الكتاب مسحًا شاملاً يأخذ القراء فيه لمغامرة فكرية حول حياة "إيمانويل كانط" وأعماله، كما يقدم شروحًا مفصلة لأعماله الرئيسية خاصة كتابه (نقد العقل الخالص)، وفي الوقت نفسه يصوّر المدى الواسع الذي خاضه "كانط" بفكره الفلسفي، بما في ذلك إسهاماته في الميتافيزيقا والأبستمولوجيا وفلسفة العلم، وغيرها من الفروع الفلسفية. نحكي قليلًا عن كانط، ونذكر بعض مؤلفاته، ككتاب "نقد العقل الخالص"، الذي ألفه سنة 1781، وهو أهم مؤلفاته، انتقد فيه (كانط) العقل النظري، وبين له حدودا يجب الوقوف عندها، وقدم أيضًا كتاب بعنوان "مقدمه لكل ميتافيزيقيا مقبلة"، قدم فيه ملخصاً شافياً لمذهبه الفلسفي وسلك فيه منهجاً تحليلياً بدأ فيه من الواقع وأنتهى إلى المبادىء العامة على عكس المنهج التأليفى الذى اتبعه فى نقد العقل الخالص النظرى والذى بدأ فيه بالمبادىء، وانتهى إلى الوقائع. كذلك قدم كتاب بعنوان "نقد ملكة الحكم"، ألفه عام 1790، ويمثل وجهة نظره في علم الجمال ومحاولة للتوفيق بين الضرورة العقلية وبين الحرية، وكتاب بعنوان "الدين في حدود العقل وحده"، الذي كتبه عام 1790، وأوضح فيه أهمية المسيحية بإعتبارها دين العاطفة الذى يقوم على التصورات الاخلاقية المثالية البعيدة عن الترتب والكهانة، وقد أثار هذا الكتاب سخط رجال الدين والملك فريدريك. ومن مؤلفاته أيضًا، كتب: "تأسيس ميتافيزيقيا الأخلاق، نقد العقل العملي، مشروع السلام الدائم، ميتافيزيقيا الأخلاق، الإنثروبولوجيا من منظور براجماتي، في النار، المبادئ الأساسية للمعرفة، الميتافيزيقية، في المنادولوجيا الفيزيائية، في صورة العالمين الحسي والمعقول ومبادئهما". تعتبر فلسفة كانط نقطة تحول فى الفكر الفلسفي بأسره, إذ لا نكاد نتصدى لفيلسوف حديث أو معاصر حتى نلمس من قريب أو بعيد أثر فلسفة كانط، وقد تميزت فلسفته بأنها نقدية وذلك لأنه اهتم بنقد العقل البشري في مختلف جوانب نشاطه، والنقد عنده يدل على الدراسة التحليلية بقصد الكشف عن مقومات العقل البشري للوصول إلى الأسس العامة التي يستند إليها العلم، والتى بدونها لا يمكن أن تنهض تجربة علمية والقواعد الراسخة التي لا يمكن أن تتحقق الأخلاق متمثلة في السلوك الإنسانى السوي، إلا وهي مرتكزة عليها، فالنقد لا يقتصر على المعرفة أو على الاخلاق وأنما الحياة كلها بما فيها من معرفة وأخلاق وجمال وسياسة.