يتعرض كل منا إلى مواقف تتطلب أن نقول فيها الصراحة.. ولكن الصراحة ليست دائما راحة لأنها قد تفتح باباً لمشكلات لا تنتهي، بسبب عدم تقبل الطرف الآخر الذى تواجهينه برأيك الصريح لكلماتك حتى وإن كنت تقصدين صالحه. فهل تعتبرين نفسك صريحة، وترين أن أبسط حقوق الآخرين عليك هو أن تصارحيهم عندما يتطلب الموقف أم أنك صاحبة مبدأ الصمت «ينجي»؟! هدى سعيد (مهندسة) بدأت حديثها قائلة: إن الصراحة تحولت فى تقدير الكثيرين إلى وقاحة.. وتحكى أنها فى إحدى المرات قررت أن تصارح إحدى صديقاتها بأن ملابسها لافتة وأن الزملاء فى العمل يتهامسون عليها، فظنت أنها تشعر بالغيرة تجاهها، وانقلبت الصداقة بينهما إلى قطيعة. أما هبة شريف (موظفة) فتقول إن الصراحة أصبحت كلمة قديمة بعد أن تغيرت مفاهيم المجتمع تماماً، وتقول إنها فى إحدى المرات وخلال اجتماع مع مدير الشركة التى تعمل بها طلب منهم المدير إبداء آرائهم فى أحد المشاريع بالشركة، وأبدى الحاضرون جميعاً رضاهم التام عن المشروع، إلا أنها أعلنت اعتراضها على بعض التعديلات التى تراها فى المشروع ورغم أنها أبدت رأيها بصراحة من أجل مصلحة العمل إلا أنها فوجئت بأن اسمها ليس فى الترقيات الجديدة.. وتضيف أنها عرفت نتائج الصراحة. أما لميس سعد الدين (صيدلانية) فتتعامل بصراحة شديدة ولكن مع صديقاتها المقربات وأهلها، وتقول: حتى لو لم يتقبلها من أمامى إلا أن الأهم هو أن أكون «خلصت ضميرى». وتحكى لمياء شفيق (ربة منزل) أنها كانت تنتقد زوجها فى أسلوب تناوله للطعام ولم يكن يتقبل ذلك بل، ويتضايق كثيراً منه، ويرى أن صراحتها تعبير عن نفورها منه.. إلا أنه تفهم فى النهاية أن صراحتها تهدف لمصلحته. وتقول أمنية شاهين(طالبة) إنه لا يوجد أحد يقدر قيمة الصراحة لذلك فهى تفضل أن تلتزم الصمت فى المواقف التى تسألها فيها إحدى صديقاتها عن رأيها حتى لا تخسرها ،خاصة أنها شاهدت مواقف عدة أدى فيها قول الصراحة إلى توتر العلاقات بين أقرب المقربين. وتتحدث إبتهال لطفى عن الشعار الذى يردده جميع من حولها وهو «خلى عندك ذكاء اجتماعي».. وقالت إنها فى البداية انزعجت جداً من تطبيق مثل هذا الشعار الذى يجبرنا فى أحيان كثيرة على قول عكس ما هو بداخلنا، إلا أنها فى النهاية وجدت أن ذلك السبيل الوحيد للتواصل مع الآخرين.. وتعترف بأنها لم تعان من أى مشكلات منذ أن قررت أن تحتفظ بآرائها الصريحة لنفسها. الصراحة مطلوبة.. بشروط وتفرض الآراء السابقة علينا سؤال خبراء علم الاجتماع.. هل أصبحنا فى مجتمع يكره الصراحة تحت مظلة النفاق الاجتماعى أو المجاملة؟ الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع تقول: الصراحة تعنى الصدق الذى يعتبر من مكارم الأخلاق ومطلبا ضروريا من أهم المطالب الإنسانية فى الحياة، ويجب أن تكون مبنية على أسس قوية ومؤثرة فى بناء الشخص وتوجيهه إلى مصالحه، ولكن عندما تصل إلى التمادى والإساءة وجرح المشاعر، فلن تصبح صراحة، وإنما إساءة متعمدة ومقصودة. والصراحة المبنية على الصدق تكون مشروطة بأسس قوية مثل اختيار الوقت المناسب, بالإضافة إلى مراعاة الأسلوب وانتقاء الكلمات وأيضاً الحالة النفسية للمتلقي، وثقافته، والبيئة والمجتمع الذى يعيش فيه، فالصراحة لا تأتى إلا من شخص محب ويريد الخير للشخص الذى ينوى مصارحته.