تواجه «سالى» مشكلات عويصة فى زواجها وعلاقتها بزوجها وصلت لحد الطلاق قبل أن تعيد التفكير فى مشكلاتها مرة أخري. أما السبب فهو التعليم الابتدائي، فهى أم لبنتين فى الصفين الثانى والرابع الابتدائى وتنفق الجزء الأكبر من وقتها وتركز كل مجهوداتها لابنتيها. تنتظرهما بعد المدرسة وتصطحبهما للدرس ولا تعود يوميا قبل السادسة مساء لتبدأ معهما المذاكرة حتى المساء لكن انتهى الأمر بملل الزوج وشكواه من انشغال زوجته الدائم بتعليم البنتين ومستقبلهما بدون أن تعير انتباها لمستقبل علاقتها بأبيهما. هى ليست حالة استثنائية نادرة، بل على العكس أصبحت ظاهرة شائعة جدا أن نجد أطفالا فى الصف الثانى الابتدائي، ويتلقون دروسا خصوصية فى أكثر من مادة، وأمهات يقضين الجزء الأكبر من النهار والليل منشغلات بدروس الأبناء وآباء منشغلين بتدبير مصروفات الدروس. ما الصعب فى مناهج الابتدائية كى يحتاج الأمر لمساعدة خارجية؟ وما الذى يدفع أبا وأما لإجبار طفلهما الصغير على دروس خاصة بعد المدرسة, وهل يتحمل هذا الصغير كل هذا الضغط؟ «يحيى» أب لطفل صغير فى الصف الرابع الابتدائى لكنه يصر على أن ابنه يحتاج الى دروس خصوصية فى الإنجليزية والرياضيات واللغة العربية لأن الولد «محتاج يتأسس» واستيعاب أكبر قدر ممكن من المعلومات منذ الصغر, والاعتياد على الدروس بعد المدرسة كما أن المنهج صعب والمدرسون غير أكفاء وغير مؤهلين.. السؤال هو متى سيتعلم هذا الصغير- الذى لم يتجاوز العاشرة- أن يعتمد على نفسه ويذاكر دون مساعدة خارجية؟!. «ندى» طالبة فى الصف الثانى الإعدادى تذهب للمدرسة صباحا ثم تقضى الساعات الباقية من النهار فى دروس فى جميع المواد مع أكثر من مدرس للمادة الواحدة ورغم أنها لا تحتاج دروسا إلا فى ثلاث مواد هى العربية والانجليزية والرياضيات فإن والدتها التى تعمل مدرسة للغة الانجليزية فى المدرسة نفسها تصر على أن تتلقى الابنة دروسا فى كل المواد وتجبرها عليها, وعندما حاولت الابنة الشكوى والتذمر واقتصار الدروس على المواد التى تحتاج فيها لمساعدة رفضت الأم بشدة، وقالت لها بالحرف الواحد «أنت عايزة تضيعى مستقبلك..زيك زى زمايلك .. اشمعنى انت اللى فاهمة».. لا خلاف على أن منظومة التعليم فى مصر تعانى العديد والعديد من المشكلات لكن الجديد فى هذه المنظومة هو الضغط الذى يمارسه أولياء الأمور على أبنائهم من أجل التفوق والدرجات العالية، وكما ترى السيدة ماجدة وهى مديرة لإحدى المدارس الخاصة وقضت ربع قرن من الزمان فى التربية والتعليم فإن أولياء أمور هذا الزمان يختلفون تماما عن الأجيال السابقة، فلم يكن الآباء من الضعف بهذا الشكل أمام أبنائهم، ولم يكن لديهم كل هذا الشعور بالذنب ولا كل هذه المخاوف والهلع على تعليم الأولاد ودرجاتهم، لدرجة أصبحت معها الدروس الخصوصية تعويضا عن الشعور بالذنب وبديلا عن متابعة الأولاد عن قرب، ولم يعد ولى الأمر يهمه أن يتعلم الولد أو البنت وأن يفهم, بل الأهم بالنسبة له هو الدرجات، فهى المعيار الوحيد للجدارة. وتقول: صحيح أن منظومة التعليم تعانى العديد من المشكلات من بينها الضغط الذى يمارسه الآباء على أبنائهم، وفى السابق لم نكن نسمع من ولى الأمر شكوى من صعوبة المنهج على ابنه او أن المدرس غير مؤهل، بل كانت المدرسة هى من ترسل إلى ولى الأمر تطلعه على مستوى ابنه وتنصحه بدروس تقوية للطالب، أما اليوم فأولياء الأمور أصبح لديهم «فوبيا» حقيقية ويبالغون فى الضغط على أبنائهم, ومستعدون للدفع لمدرس يدرب أبناءهم على الحفظ ليتقن الحل فى الامتحانات على أن ينفق وقته مع ابنه ليتعلم كيف يذاكر بنفسه ويبحث عن إجابات للأسئلة الصعبة.. الرأى نفسه تؤكده د. سهير الدفراوى وهى خبيرة تربوية عادت إلى مصر بعد سنوات طويلة من الدراسة والبحث فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل تذهب الى أن الضغط على الأبناء من جانب أولياء الأمور أصبح شيئا قاتلا للإبداع وقاتلا لتميز أى طفل, ويعدون أى محاولة للتطوير هى فى غير مصلحة أبنائهم حتى قبل تجربتها، وهم غير مقتنعين بأن مناهج التعليم ليست ما يطلبه أولياء الأمور، وهم ليسوا جهة مؤهلة للتقييم بل هى أمور يحددها الخبراء، وما يفعله المدرس الخاص هو تحويل المنهج إلى كبسولة يحفظها التلميذ ليضعها على ورقة الإجابة فالمهم هو الحصول على درجات أعلي. ووصلت فوبيا الدروس إلى المرحلة الابتدائية التى يجب أن يكون التعلم فيها باللعب والتجريب والتفكير وليس بحرمانه من سنوات طفولته الجميلة التى يجب ألا نرهقه فيها بكم كبير من المعلومات والجهد الذهنى والبدني. وتتساءل الخبيرة التربوية: هل من المعقول أن الفصل كله يحتاج إلى دروس خصوصية، ألا يوجد بينهم تلميذ واحد قادر على استيعاب المادة ولا يحتاج لدرس؟ ألا يوجد فى مصر مدرس واحد يؤدى عمله بأمانة وكفاءة.. غير معقول هذا الكلام بالنسبة للدكتورة سهير. المهم هو الإرادة الحقيقية لتطوير التعليم والتوقف عن إجبار الأبناء على الدخول فى ماراثون الدرجات النهائية الذى يقتل إبداعهم ويحولهم إلى آلات مستنسخة دون فهم او استيعاب حقيقى, ولا يعلمهم المسئولية ولا الاعتماد على النفس ويجعلهم دائما بحاجة لمن يحل مشكلاتهم، وفق قولها.