الديمقراطية وتقدم البلاد، صنوان لا ينفصلان، أقصد الديمقراطية الحقيقية، وليست الظاهرية، فإذا أردنا أن نصبح دولة لها شأنها بين الأمم، فعلينا أن نمسك بتلابيب هذه الديمقراطية التى عرفت منذ قديم الزمان، وليست وليدة اللحظة، وبزغت فى أثينا، وعرفت تمام المعرفة فى القرن الخامس قبل الميلاد، وامتدت وتطورت على مدى الأعوام حتى قيل إنها دخلت واستتب لها الأمر فى 170 دولة، ورغم ذلك، لا يعرف الكثيرون معنى الديمقراطية، وحتى إذا عرفوا معناها، فهم لا يقومون بالعمل بها فى مشوار حياتهم، وقد يتشدق الغرب بممارسته لها، ويعيب علينا الابتعاد عنها، حتى إنه يسلط جمعياته التى سماها «حقوق الإنسان» دائما علينا، ويوعز إليها بأن تصب جام غضبها إذا جال بخاطره يوما أنها خدشت فى أمر ما عندنا، مع أنه هو نفسه فى الحقيقة لا يتسم إلا بديمقراطية زائفة لا يلجأ إلى التحلى بها إلا إذا كان لها مردود يصب فى مصلحته، وإلا فما معنى أن يبسط حظرا على قيام المآذن ويحرم أصحابها منها، كما يحدث فى سويسرا، وما معنى أن يتحكم فى خلق الله، ويحظر الحجاب على البنات، كما فى إنجلترا وفرنسا، فى الوقت الذى يبيح فيه ارتداء الشودر اليهودى مع قلنسوته ورباط رأسه، وكذلك فى الانتخابات التى يقال إنها تجرى فى جو تسوده قمة الديمقراطية والحرية، لماذا لا يفوز بها إلا الارستقراطيون ذوو الثراء الواسع أمثال «ترامب» الذى يملك العشرات من مؤسسات الاقتصاد. وغيرها من أفخر الفنادق، وبوش الأب الذى لا يملك الملايين من الدولارات، بل المليارات منها، إلى جانب ما يديره من شركات نفط تدر له العسل والشهد حارمين بذلك الأغلبية من الفقراء وأوساط الحال من تسيير الأمور بما يضمن حفظ الحقوق بحق وحقيقي، ثم أين الديمقراطية من التوريث الذى نحن رفضناه ليتفشى عندهم، ويعطى القيادة لزوجة جون كيندى وابن جورج بوش، وحتى إذا كانت الانتخابات سرية، فهل يقوم القائد المنتخب بما تفرضه عليه الديمقراطية، أم يتنكس لها بعد فوزه، وأمامنا المثال الأوروبى واضح فى الحرب العالمية الثانية، حيث انتخب هتلر وموسولينى فى ألمانيا وإيطاليا، وتدرجا بالانتخابات السليمة حتى وصلا إلى الحكم، وما إن قبضا على السلطة حتى تنكرا للديمقراطية، وعاثا فى الأرض فسادا، وأهدرا الدماء أنهارا، وقتلا ملايين الناس فى أنحاء العالم، وما يجرى على مستوى الرئاسة يجرى على نواب الناس فى المجالس التشريعية والإدارية الذين انتخبوا ليحققوا العدالة والحرية على من انتخبوهم، وليفتحوا الطريق أمامهم للعمل الحر، فنجد أن ما يجرى على بعضهم لا يتماشى مع الديمقراطية، وإنما يحيد عنها، ويتجه إلى كسب ما يمكن كسبه لشخصه وشخص من يدور فى فلكه، وينسى أن الديمقراطية سلوك دائم لا ينقطع، وأنه لا يمس شيئا «كالانتخابات» وينسى أشياء «كالعمل النزيه»، ولا يحقق شيئا ويغض الطرف عن أشياء. أما إذا خلصت النيات وطبقت الديمقراطية، فلابد من أخذ الحذر فى تطبيقها، فمن أجل المساواة مثلا يجب ألا يعطى المدرس درجات متساوية لكل الطلبة فى امتحاناتهم، ويساوى بين المتفوق والفاشل أو نصف الفاشل، وفى الحياة الاجتماعية يجب عدم تسوية المرأة بالرجل، وإعطاء المرأة حقوقا تغيبها عن إمكاناتها فى الحمل والتربية وتنظيم المنزل، أو تبعد الرجل عن العمل الشاق الذى أتاحه الله لعقله وقلبه وجسده، وكذلك يجب ألا يساوى فى العطاء بين عامل إمكانيته محدودة، مع آخر ذى قوة وقدرات مهنية وغير مهنية، وحتى فى منح الحرية التى تتحلى بها الديمقراطية يجب ألا تكون هذه الحرية، كما أفتى كبار المفكرين أمثال «جون استيوارت ميل» طاغية على حرية الآخرين أو مصيبة لهم بالضرر، كما أنها يجب ألا تنخر كما ينخر السوس فى المجتمع، وتفسده، بجعل الزنا والشذوذ الجنسى مباحا «مثلما هى الحال فى أوروبا» والهروب من الزواج الذى يستر الأسر، ويحمى الأولاد، ويعلى شأنهم وشأن أعمالهم، فالديمقراطية إذن سلوك شامل لا ينقطع عن أى فرد من أفراد المجتمع، ولا حتى عن أى جماعة من الجماعات الكائنة فيه فى أى زمن من الأزمان، وأى موقع من مواقع الحياة، وحين تطبيقه يجب أن نحكم العقل فى هذا التطبيق حتى لا ينحرف عن أهدافه الساعية إلى الخير والتقدم. د. عادل أبو طالب الأستاذ بطب بنها