موضوع تعدد الزوجات في الإسلام، من الموضوعات الشائكة التي تثور ويتجدد تناولها بين الفينة والأخرى، بشكل يثير الالتباس، على الرغم من وجود تحول ملحوظ في المجتمع المصري في الآونة الأخيرة يتمثل في انتشار ثقافة التعدد، وتراجع لجوء النساء إلى طلب الطلاق حال حصوله. والتعدد - بشروطه - مشروع بكتاب الله عز وجل، وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وقد يصير واجباً إن كان الرجل يخشى الوقوع في الحرام، وكان قادراً على العدل، وذلك عملاً بقول الله: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا. (النساء: 3). أما أنه يشترط للتعدد العدل، فهو مأخوذ من قوله تعالى: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً". ودليل اشتراط القدرة على الإنفاق على زوجتين أو أكثر، قوله تعالى: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ". (النور:33). وسبب نزول الآية أنهم كانوا يرغبون في الزواج باليتيمات من النساء، مع بخسهن حقهن في المهر، فأمرهم سبحانه بأنه: إذا لم تُرِدْ أن تقسط لهذه اليتيمة حقها في المهر كاملا كسائر النساء، فاتركها، فقد أحللت لك أربعاً من النساء . روى البخاري في "صحيحه" عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: "كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ"؟ قَالَتْ: "هِيَ اليَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ". وقال ابن كثير: "أَيْ: إِذَا كَانَ تَحْتَ حِجْرِ أَحَدِكُمْ يَتِيمَةٌ، وَخَافَ أَلَّا يُعْطِيَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، فَلْيَعْدِلْ إِلَى مَا سِوَاهَا مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْهِ". والواقع أن الإسلام جاء، والرجل يتزوج بمن شاء مِنْ النساء، حتى أسلم بعض أهل الجاهلية وعند أحدهم عشر نسوة، فحدد الإسلام العدد بأربع نساء فقط، ولم يُوجبه على عباده بل أباحه لهم بشروطه من العدل، والقدرة على الإنفاق. قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وُجاء". (متفق على صحته). وحتى لا نظلم الإسلام؛ كان التعدد معروفاً عند الأمم السابقة، وليس في الإسلام فقط، بكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة. وهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة، كما أسلم في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، رجال بعضهم كان متزوجاً بثماني نساء، وبعضهم بخمس، فأمرهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بإبقاء أربع، وطلاق البقية. ولا يلزم الرجل عند زواجه بثانية أن يعلم الزوجة الأولى أو أن يأخذ رأيها، ولكن الأولى له من قبيل حسن العشرة أن يعلمها بزواجه، وفي هذه الحالة قال، صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ". (صححه الألباني في "صحيح الترمذي"). وقوله: "من غير بأس" أي: "من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة". ولا شك أن أي امرأةٍ تكره أن يتزوج زوجها عليها، وهذا أمرٌ طبعي في النساء، ولكن يجب عليها أن تقبل الحكم الشرعي بطيب نفسٍ ورضاء، وصبر واحتساب، علما بأن التعدد لا يصلح لكل إنسان. كما يجب على من أراد التعدد أن يُحسن النيّة في هذا الزواج، بأن يكون قصده: إعفاف نفسه، وإعفاف زوجاته، وستر عورة، وكفالة أيتام في حجر أرملة، ونحو ذلك من النيات المشروعة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;