تتطلب تنمية سيناء فى هذه المرحلة فكرا ومنهجا مختلفا عما كان سائداً من قبل، بحيث يتضمن البناء على الثقافة المتوارثة بين أهل سيناء حول إعادة تأهيل المناطق الرعوية، وتحقيق الاستفادة القصوى من البيئة النادرة هناك، والتى تكاد تكون الوحيدة على مستوى العالم الملائمة لنمو وازدهار بعض أنواع الأعشاب الطبية المتوطنة فى سيناء ذات العائد الاقتصادى المرتفع، وفى هذا السياق يجب أن نعمل بإخلاص لإعادة تأهيل الأراضى والمراعى فى بادية سيناء، فهى بحاجة إلى مشروع لتنمية المراعى والأعشاب الطبية ونمط معين من العلماء المتخصصين المخلصين لإدارته، ممن لهم سابق خبرة بالمكان والسكان، وهم فقط الوحيدون القادرون على تقديم مخططات لإعادة ترميم البادية وتأهيل أهلها للمحافظة على نمط حياتهم وحفظه من الاندثار. وأقترح أن يتم ذلك من خلال تخصيص جزء من ميزانية مشروعات تنمية سيناء لعمل هذا المشروع المتكامل وإسناده للعالم المتميز فى مجال البيئة النباتية د. عبدالرءوف مصطفى أو أحد أبناء مدرسته المتخصصة فى إكثار نباتات الصحراء والتى تتميز بها جامعة قناة السويس، كما قال عنهم الدكتور عبدالفتاح القصاص، خبير البيئة العالمى والمتخصص فى تنمية البيئة الصحراوية، وهم ممن قضوا أجمل سنى عمرهم بين البدو والصحراء، ويعرفون كيف يمكن إكثار النباتات الطبية أو العشبية أو أشجار «السيال» بأقل التكاليف واختيار أفضل الأماكن والبيئة المناسبة لنموها، مع البدء بإكثار الأعشاب التى يمكن استخدامها لعلف الماشية، وزراعتها على مياه الأمطار، أو مياه الضباب الذى يتكاثف بكثرة فى الصباح الباكر بسيناء، فهى نباتات لا تحتاج سوى كميات ضئيلة من المياه وتتحمل ظروف الجفاف، نظراً لأن الصحراء بيئتها الأصلية والتى عادة ما تنمو فيها بشكل طبيعي. وهذه الأعشاب سريعة النمو يمكن استخدامها كعلف الماشية فى المرحلة الأولى للمشروع على أن يتم التوسع فيما بعد فى نشر وإكثار النباتات الطبية وزراعة غابات من أشجار «السيال» التى تعتبر جميع أجزائها مفيدة لحياة أهل البادية لدرجة أنهم يكرمون الضيف العزيز بذبح أفضل «الجديان» لديهم «جدى البرم» وهو الذى نما ورعى على هذه الأشجار «السيال»، وتعد من أفضل الماعز وأطيبها لحماً، كما أن بذور أشجار «السيال» تعد علفا طبيعيا ممتازا للأغنام، وكذلك أوراقها التى تتغذى عليها الجمال، وأعلم من أحد شيوخ البدو فى جنوبسيناء أن لجامعة قناة السويس تجربة، منذ أكثر من عشرين عاماً، فى إكثار أشجار «السيال» بأحد الأودية التى مازال أهلها يتذكرون بإعزاز وتقدير من بذل الجهد لإبقائهم فى أرضهم متمسكين بتراثهم وتراث أجدادهم حتى الآن. إن إعادة الحياة لبادية سيناء أمر ممكن، فهذا النمط من الحياة قد استمر آلاف السنين، ويمكن استعادته بتكلفة زهيدة وبتكليف أحد العلماء المتخصصين بإدارته بكفاءة حتى يمكن أن يحقق نتائج سريعة تجذب العديد من أبناء سيناء للمشاركة فى تنميتها عن طريق زراعة الأعشاب الطبية وغيرها من الأعشاب التى يمكن استخدامها كعلف الماشية ببعض الأودية الجافة مما يمكن أهل البادية من الكسب الحلال المباشر، ويدفعهم فيما بعد للمشاركة بفاعلية فى الاستثمار بمشروعات تنمية سيناء الأخري. د. كمال عودة غُديف استشارى سابق بالبنك الدولي