خرج المصريون فى ثورة 25 يناير يهتفون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية مؤكدين بذلك أن جمال عبد الناصر لا يزال حيا فى قلوبهم رغم وفاته منذ ما يقرب من نصف قرن، فما ينادى به المصريون فى ثورة 25 يناير هو ما عاش وخاض المعارك من أجله منذ توليه قيادة ثورة 23 يوليو 1952 التى أعلنت مبادئها الستة الشهيرة التى هى فى جوهرها ما نادى به ثوار يناير، القضاء على الاستعمار وأعوانه والقضاء على الإقطاع والقضاء على الاحتكاروسيطرة رأس المال على الحكم، وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء جيش وطنى قوى وإقامة حياة ديمقراطية سليمة. هذه الأهداف التى كافح المصريون من أجلها طويلا، ودفعوا ثمنها غاليا من دمائهم، وكانت مشاركة جمال عبد الناصر فى نضالات المصريين وثوراتهم أمرا طبيعيا فقد مارس عبد الناصر نشاطا سياسيا مبكرا فى الثلاثينيات ضد الاستبداد والاستعمار، ولم يمنعه وضعه كضابط من الاتصال بمختلف القوى السياسية حيث اكتشف عجزها عن تحقيق أهداف النضال الوطنى فبادر إلى تشكيل تنظيم الضباط الأحرار الذى نجح فى الوصول إلى السلطة يوم 23 يوليو 1952. تجاوب الشعب المصرى مع الثورة بقيادة جمال عبد الناصر الذى خاض العديد من المعارك ضد القوى الرجعية وبدأ فى تطبيق أهداف الثورة باصدار قانون الاصلاح الزراعي، بعد أيام من الوصول للحكم، وكذلك قرار منع الفصل التعسفى للعمال، ووضع برنامجا للتصنيع واستكمل مجانية التعليم فى كل المراحل وفتح بذلك باب التعليم أمام أبناء الفقراء، واهتم بالخدمات الصحية. وتجاوب الشعب المصرى مع هذه الخطوات الثورية وكان لهذا أكبر الأثر فى الحراك الطبقى فى مصر الذى انتقل من خلاله مئات الألوف من هؤلاء الفقراء إلى صفوف الطبقة المتوسطة. وخاض فى الوقت نفسه معركة شرسة ضد الاستعمار البريطانى انتهت بعقد اتفاقية الجلاء عام 1954، وقاده السعى إلى بناء السد العالى للاصطدام بالامبريالية العالمية حيث رفض البنك الدولى المساهمة فى تمويل بناء السد العالي، فأمم جمال عبد الناصر قناة السويس وتصدى للعدوان الثلاثى الذى خرج منه منتصرا، وساند حركات التحرر الوطنى العربية والإفريقية والآسيوية. اكتشفت مصر بقيادة جمال عبد الناصر أن الأمن القومى المصرى جزء من الأمن القومى العربي، وأن علاقة مصر بالدول العربية ليست فقط فى مواجهة اسرائيل بل هى جزء من ظاهرة القومية العربية التى انطلق نداؤها من القاهرة مستفيدا من تجربة الجمهورية العربية المتحدة التى قامت بين مصر وسوريا فى فبراير 1958، والتى تأكد من خلالها أن الشعوب العربية لن تنجح فى تحقيق وحدتها إلا بعد تحررها جميعا من الاستعمار وإسقاط نظم الحكم الرجعية سواء كانت إقطاعية او رأسمالية واستبدلتها بالاشتراكية، وكان محور الميثاق الوطنى شعار «حرية اشتراكية وحدة». لم تكن المعارك التى خاضها جمال عبد الناصر منقطعة الصلة بفلسطين قضية العرب المركزية، التى تعرض شعبها لأكبر جريمة فى تاريخ البشرية، شارك فيها الاستعمار والصهيونية. فقد بدأت صلة جمال عبد الناصر بالقضية الفلسطينية عندما حارب الجيش المصرى العصابات الصهيونية سنة 1948 وحوصر جمال عبد الناصر ضمن القوات الموجودة فى الفالوجة وهناك اكتشف ان تحرير فلسطين يبدأ بتحرير القاهرة وهو ما قاده الى الثورة فى 23 يوليو 1952، وإلى تسليح الجيش المصرى فى مواجهة قيام امريكا بتزويد اسرائيل بأحدث الأسلحة التى تجعلها أقوى من الدول العربية مجتمعة، وكانت اسرائيل واعية بموقع مصر من الصراع حول فلسطين فشاركت فى العدوان الثلاثى عليها سنة 1956، ودبرت لعدوان يونيو 1967 وألحقت بها الهزيمة التى دفعت جمال عبد الناصر إلى إعادة بناء الجيش المصرى وبدأت تحت قيادته حرب الاستنزاف، وبعد رحيله ألحق الجيش المصرى فى حرب 1973 خسائر جسيمة باسرائيل. تدهورت أوضاع الأمة العربية بعد رحيل عبد الناصر وعادت معظم الدول العربية إلى دائرة النفوذ الغربى وخضعت للسياسات الامريكية والغربية مما أحيا من جديد القضية الوطنية. والتقت إرادة القوى القومية العربية على العمل معا من أجل مواجهة المخاطر المحيطة بالوطن العربى واكتشاف أفضل السبل لمواجهتها واستعادة القدرة على تجاوزها، وبلورت مشروعا نهضويا عربيا يكفل تنفيذه استعادة القدرة العربية على هزيمة أعدائها، ويتكون من ستة مقومات أساسية هى التجدد الحضاري، الوحدة العربية، الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطنى، إن وضع هذا المشروع النهضوى العربى موضع التطبيق يعنى أن جمال عبد الناصر لا يزال حيا بيننا وأنه بحق يمثل الثورة المستمرة لأن المقومات الأساسية الستة لهذا المشروع هى ما كان عبد الناصر يسعى إلى تحقيقه فى مصر والوطن العربي. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر