في انتصار جديد للمرأة المصرية ، يضاف لانتصاراتها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تولت الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا حقيبة وزارة الثقافة، خلفًا للوزير السابق حلمي النمنم، لتكون بذلك أول وزيرة في تاريخ وزارة الثقافة المصرية، وأول فنانة كذلك تتولي تلك حقيبة الوزارة ذات التاريخ العريق ، الذي يمتد لنحو 60 عامًا، إذ تم تكوينها لأول مرة في العام 1958، في حكومة الوحدة الثانية، وكان الدكتور ثروت عكاشة أول وزير لها . جاء ذلك في التعديل الوزاري المحدود الذي أجراه رئيس الحكومة على 4 حقائب وزارية ، هي الثقافة ، والسياحة ، والتنمية المحلية ، وقطاع الأعمال . ولعبد الدايم تاريخ نضالي في مقاومة سطوة الإخوان ، ومحاولات سيطرتهم الدينية على مصر ، خلال فترة حكمهم البلاد ، بدأ مع تكليفهم الدكتور علاء عبد العزيز بحقيبة الثقافة ، الذي حاول تهميش دور الفن في الثقافة المصرية ، وقام بعزل عبد الدايم من منصبها بدون أسباب ، لتتصدى له بقوة مع مجموعة من المثقفين والفنانين من رموز الحركة الوطنية وقتها ، وتنطلق شرارة اعتصام واسع بمقر وزارة الثقافة بالزمالك، حتى أطيح بنظام جماعة الإخوان . وتهيأت عبدالدايم بعدها لسماع اسمها وزيرة للثقافة ، في الحكومة الانتقالية التي شكلها الاقتصادي البارز حازم الببلاوي، بعد أيام من الإطاحة بالإخوان والوزير عبدالعزيز، وبالتحديد في 16 يوليو 2013، ولكنها تفاجأت بأنها أعيدت إلى منصبها السابق رئيسًا لدار الأوبرا، الذي كانت قد أقيلت منه في مايو من العام نفسه . وعن ذكرياتها في ذلك اليوم ، قالت عبد الدايم ، في إحدى المقابلات الصحفية إنه تم ترشيحها لمنصب وزير الثقافة ، وبلغت بالموافقة ، وبحلف اليمين ، ووافقت على تولي المنصب ، وقبل حلف اليمين بساعات تلقت مكالمة بالاعتذار لها عن تولي المنصب لوجود ضغوط داخلية وخارجية ، وتفهمت الوضع جيدًا ، بل وأثنت على الوزير الذي عين في المنصب وقتها ، وهو الدكتور محمد صابر عرب . بعدها كشفت تقارير صحفية عن تدخل قوى دينية ، تمثلت في حزب النور السلفي ونوابه بالبرلمان ، بالفعل لمنع تولي إيناس عبد الدايم المنصب . وبلغ من شدة حب الناس لتلك الفنانة الراقية ، أن دفعت إقالتها من رئاسة الأوبرا ، عشرات العاملين والفنانين بالأوبرا ، للاعتصام رفضًا للقرار . بل الأقوى من ذلك ، أنه بعد ساعات من إقالتها من رئاسة الأوبرا ، صعد المايسترو ناير ناجي ، في موعد رفع الستار ، لبدء عرض (أوبرا عايدة) وقتها ، معلنًا إلغاء العرض ، في حدث غير مسبوق ، في تاريخ دار الأوبرا المصرية ، منذ بدء عروضها قبل أكثر من 140 عامًا ، ورفض جمهور العرض استرداد قيمة التذاكر تضامنًا مع فناني العرض. وبعد أيام قلائل ، انتقل الاعتصام لمقر وزارة الثقافة ، ليتوسع بانضمام العديد من المثقفين والكتاب والفنانين للمطالبة بإقالة الوزير عبد العزيز ، واستمر الاعتصام لمدة 90 يومًا ، ليرتفع خلاله سقف المطالب من مجرد إقالة وزير ، إلى عزل رئيس الدولة . وحال الاعتصام ، من قوته ، دون دخول الوزير الإخواني علاء عبدالعزيز مكتبه ، طوال الفترة القصيرة التي قضاها وزيرًا للثقافة ، بل وازداد الاعتصام قوة وسطوة ، بعروض فنية وثقافية انطلقت مؤيدة له ، في الشوارع المحيطة بالوزارة في حي الزمالك . واعتبرت عبد الدايم - وهي تستطرد متحدثة عن ذكرياتها - الاعتصام من أعظم وأقوى الاعتصامات التي حدثت في تاريخ مصر ، وأنه الشرارة في تسببت في اندلاع ثورة 30 يونيو بعده ، وانتهت بعزل مرسي. وعزت إقالتها التعسفية ، وعدد من قيادات وزارة الثقافة وقتها ، إلى مخطط الإخوان لتجريف الهوية والثقافة المصرية . وبعد هذا الموقف البطولي الوطني لعبد الدايم ، ترشحت للوزارة مرة أخرى ، قبل سنتين ، في التعديل الوزاري السابق أواخر العام 2015 ، ضمن عدة أسماء ، مع الدكتور محمد عفيفي أمين المجلس الأعلى للثقافة الأسبق ، والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون السابق ، وحلمي النمنم الكاتب الصحفي ، والدكتورة فينوس فؤاد رئيس الإدارة المركزية للمسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة ، ولكن أخطأها سهم الاختيار للمرة الثانية ، ليفوز النمنم بالمنصب ، بعد تكهنات طويلة باسم الوزير الذي سيخلف الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة وقتها ، وتمر السنون لتفوز أخيرًا عبد الدايم بالمنصب في المرة الثالثة ، وكما يقولون "التالته تابته" . وتمتلك الوزيرة الجديدة للثقافة سيرة ذاتية قوية ، كفنانة موسيقية لها باع طويل في عزف آلة الفلوت بالأوركسترا السيمفوني لأوبرا القاهرة ، فبدأت دراستها بكونسرفتوار القاهرة، وبعد حصولها على البكالوريوس، وسافرت في منحة دراسية إلى فرنسا حتى يناير من العام 1990، فحصلت على الماجستير ثم الدكتوراه في آلة الفلوت من المدرسة العليا للموسيقى بباريس. وخلال فترة دراستها حصلت على الدبلوم العالي في آلة الفلوت في العام 1984 ، والدبلوم العالي في الأداء لآلة الفلوت العام 1985 ، والدبلوم العالي لموسيقى الحجرة بالإجماع وإشادة لجنة التحكيم العام 1986 ، ثم الدبلوم العالي للعزف المنفرد في موسيقى الحجرة العام 1988. وقدمت عبد الدايم العديد من الحفلات المهمة ، منها حفلات موسيقية في مناطق عديدة بفرنسا، بالإضافة إلى عدد من الحفلات مع أوركسترا اليونسكو الدولي بباريس وكذلك حفلات الصولو مع أوركسترا كونسرفتوار القاهرة. كما قدمت العديد من الحفلات الصولو في عدة بلدان أوروبية وعربية ، مثل : تشيكوسلوفاكيا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وبلغاريا واليابان والولايات المتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى العديد من البرامج الإذاعية التي كان من أهمها في راديو فرانس بباريس، وقامت بالاشتراك في تسجيل أعمال المؤلف المصري الراحل جمال عبد الرحيم في ألمانياوالقاهرة. ومثلت عبد الدايم مصر فى أكثر من مهرجان دولى ، منها مهرجان نانت للفنون بفرنسا عام 1995، ومهرجان الرباط للفنون بالمغرب ، ومهرجان سالونيك للمرأة المبدعة فى اليونان. وحصلت وزيرة الثقافة الجديدة على العديد من التقديرات والجوائز طوال مسيرتها الفنية ، منها الجائزة الأولى من اتحاد معاهد الموسيقى بفرنسا العام 1982، وشهادة تقدير في المسابقة العالمية للفلوت بمدينة كيبا باليابان، وجائزة أحسن عازفة بمهرجان كوريا الشمالية للفنون ، ومثلت مصر في مهرجان أوركسترا البحر المتوسط، بمارسيليا ، وكانت أول مصرية تشارك في هذا التجمع ، كما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية للفنون . وفي 1999، قامت بتأسيس فصل دراسي لتعليم آلة الفلوت للأطفال في سن مبكرة لتنمية المواهب بدار الأوبرا المصرية، وأشرفت على العديد من الأبحاث العلمية للحصول على درجتي الدكتوراه والماجستير في الفنون بالعديد من الجامعات والمعاهد المصرية، كما شاركت في إعداد المناهج الدراسية التعليمية في مصر وبعض البلدان العربية، وهي المستشار الفني لأوركسترا النور والأمل، وهي أوركسترا مصرية للكفيفات. شغلت عبد الدايم منصب عميدة معهد كونسرفتوار القاهرة العام 2004، ومديرة أوركسترا القاهرة السيمفوني 2003 ، ورئيسة قسم آلات النفخ والنقر بمعهد كونسرفتوار القاهرة ثم تدرجت في المناصب لتصبح رئيس هيئة المركز الثقافى القومي بالأوبرا ، ثم أخيرًا رئيسة لدار الأوبرا . وتميزت عبد الدايم ، طوال مسيرتها الفنية والقيادية ، بالمهارة والكفاءة الإدارية ، وحب التطوير ، والاهتمام بالكوادر الشبابية ، وتعزيز التعاون الثقافي المشترك ، من خلال توقيع العديد من بروتوكولات التعاون الفني والثقافي بين دار الأوبرا المصرية ، ومختلف الهيئات والمؤسسات المحلية ، والدولية[email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج;