تابع المصريون باهتمام بالغ البيان الموضوعى الذى ألقاه السيد الأستاذ المستشار/ رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات فقد كان البيان مُعبراً ومؤثرا وقد أعاد إلى ذاكرتنا المباراة الدستورية حامية الوطيس التى تابعناها بعقولنا وقلوبنا أثناء إعداد الدستور المصرى لسنة ألفين وأربعة عشر والذى حقق حلم الشعب فى دستور عصرى قام بتحويل أمله إلى واقع دستورى ثم إلى عمل فعلى . وقد استحدث الدستور الجديد مجالس قومية وهيئات مستقلة وأجهزة رقابية متعددة منها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة . كما أكد الدستور إنشاء أجهزة رقابية أخرى هى البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية. - وقد أبان الدستور بجلاء السمات الدستورية الراسخة للهيئة الوطنية للانتخابات والتى تضمن حيدتها ونزاهتها والتى تجلت فى الخصائص العشر التالية : أولاً: أكد الدستور أن الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية. ثانياً: أكد الدستور الاختصاص المنفرد للهيئة بإعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابى، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين فى الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة النهائية للانتخابات ثالثاً: أوجب الدستور أن يقوم على إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات مجلس مكون من عشرة أعضاء يُنتدبون ندبا كليا بالتساوى من بين نواب رئيس محكمة النقض، ورؤساء محاكم الاستئناف، ونواب رئيس مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية، يختارهم مجلس القضاء الأعلى، والمجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية المتقدمة بحسب الأحوال، من غير أعضائها، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية. رابعاً: يكون ندب أعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات من أعضاء الهيئات القضائية للعمل بالهيئة ندباً كلياً لدورة واحدة مدتها ست سنوات، وتكون رئاستها لأقدم أعضائها من محكمة النقض، ويتجدد نصف عدد أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات. خامساً: أجاز الدستور للهيئة أن تستعين بمن ترى من الشخصيات العامة المستقلة، والمتخصصين، وذوى الخبرة فى مجال الانتخابات دون أن يكون لهم حق التصويت فى الإنتخابات . سادساً: أنشأ الدستور للهيئة جهازا تنفيذيا دائما يحدد القانون تشكيله، ونظام العمل به، وحقوق وواجبات أعضائه وضماناتهم، بما يحقق لهم الحياد والاستقلال والنزاهة. سابعاً: يتولى إدارة الاقتراع، والفرز فى الاستفتاءات، والانتخابات أعضاء تابعون للهيئة تحت إشراف مجلس إدارتها، ولها أن تستعين بأعضاء من الهيئات القضائية الأخرى المختلفة . ثامناً : يتم الاقتراع، والفرز فى الانتخابات، والاستفتاءات التى تجرى فى السنوات العشر التالية لتاريخ العمل بالدستور تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية المختلفة . تاسعاً: حدد الدستور للرقابة القضائية على أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات أن تختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل فى الطعون على قرارات الهيئة المتعلقة بالاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية ونتائجها، ويكون الطعن على انتخابات المحليات أمام محكمة القضاء الإدارى على أن يتم الفصل فى الطعن بحكم نهائى خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن ضمانا لسرعة الفصل فيه وعدم تعطيل العملية الانتخابية . عاشراً: أن إنشاء الهيئة نابع من عقل وضمير الشعب المصرى والتى عبرت عنه لجنة الخمسين لوضع الدستور حيث صاغت الأساس الدستورى لقيام الهيئة واستمرارها على النحو المتقدم . ويتبين مما تقدم أن الهيئة الوطنية للانتخابات قد عَبَرَت من مرحلة الأمل الوطنى إلى مرحلة الواقع الدستورى فى الدستور الجديد كما عبرت أخيراً إلى مرحلة العمل الفعلى فى الحياة الدستورية والبرلمانية المصرية المعاصرة .
الرئيس بمحكمة الاستئناف العالى بالاسكندرية لمزيد من مقالات المستشار د. عبد الفتاح مراد