المواطنون: الصناعة أوشكت على الاختفاء بسبب تراجع زراعة القصب عندما تلتقى واحدا من الأجيال القديمة ويدور نقاش حول عصارات القصب فإنه يحدثك بحزن شديد وهو يسترجع أيام الصبا حيث كان يوجد بمعظم مراكز الصعيد على الأقل عصارة تستقبل محصول القصب فى موسم كسره ليخرج منها العسل الأسود الشهى الخالص ولكن مع الوقت وتراجع زراعة القصب أصبحت العصارات مجرد أطلال وبقيت ذكراها اسم للقرية . الأهرام قامت بجولة على أرض الواقع ففى محافظة أسيوط تبين تراجع صناعة العسل الأسود بسبب توقف الفلاحين عن زراعة القصب لدرجة أن هناك عصارات أصبحت مجرد مناطق لاتزال تحمل الاسم بعدما زُرعت بالأعمدة الخرسانية خاصة فى ديروط والقوصية .. وفى ظل التطورات التى حدثت فى المجتمع بقيت مدينتا ملوى وديرمواس رمزا للحفاظ على صناعة العسل الأسود المهددة بالاندثار. المرحلة الثالثة من مراحل طهي العسل قرية العصارة يقول صلاح خلف الله أحد أبناء قرية العصارة بمركز الفتح بأسيوط أنا لا أعرف على وجه التحديد سبب حمل القرية لهذا الاسم لكن ما أعرفه أنه كان يوجد بها عصارة قصب كان يملكها الحاج سيد توفيق وهو يعد من أعيان القرية وعائلته ال المبارك هى من أقدم العائلات الموجودة بالعصارة ولاتزال تحتفظ هذه العائلة بالعمودية والمشيخة حتى تاريخه وكانت تعتمد عصارة الحاج سيد على القصب الوارد والمزروع بالقرية والمناطق المجاورة خصوصا قرى الواسطى والأطاولة وبنى مر وقديما كانت تسمى نزلة العصارة. ويضيف الحاج محمد عيد عبدالسلام «75 سنة» من مركز القوصية أن العصارات لها تاريخ كبير وفى بلدتنا كانت لدينا عصارة الحاج محمد شلبى وبدأت فكرة تشغيلها عندما قام الحاج محمد شلبى بزراعة 20 فدانا من القصب لتشغيلها واستمر العمل بها لنحو 10 سنوات ثم توقفت مع تراجع زراعة القصب ولا تزال المنطقة تحمل الاسم حتى الآن رغم توقف العصارة بعد بناء مساكن مكانها. وفى مدينة ملوى تنتشر العصارات بشكل كبير ويعمل بها أبناء القرى التى توجد بها و يستمر بها العمل لمدة 6 أشهر تقريبا بعد موسم كسر القصب خاصة العروة الشتوية التى تتميز بنسبة التسكير العالية كما تتميز بنضج المحصول وهو ما أكده عماد غبريال صاحب عصارة بطريق المنشأة مركز ملوى مضيفا أن هذه المهنة نعمل بها بالوراثة أبا عن جد وهى من الصناعات البدائية والتطوير فيها يكمن فقط فى استحداث معدات للعصر وعوامل النظافة وغيرها، أما مراحل طهى العسل فهى ثابتة لأن العسل فى انتقاله من مرحلة لأخرى حتى التسوية فانه يعتمد على الرؤية البصرية والتذوق كما تفعل ربة المنزل تماما عند طهيها الطعام مؤكدا أن درجة نقاوة العسل تتحدد طبقا لعملية الطهى وخبرة الطاهى ومدى تصفية العسل. مندوبو الصين بالمنطقة وأشار عماد غبريال إلى أن مندوبين من الصين قاموا بعمل مسح للمنطقة بأكملها فى عام 2008 والتقوا بأصحاب العصارات وعرضوا توفير المعدات التى يحتاجون إليها وبالفعل وجدنا أن المرحلة المهمة التى من الممكن دخول المعدة بها وتوفر نحو ثلث عدد العمالة أو النصف كانت مرحلة تحميل القصب ودفعه داخل ماكينة العصر وبالفعل قام مندوبو الصين بدراسة الأمر وتم تصنيع «الكباش» وهو لودر صغير تصل تكلفته لنحو 300 ألف جنيه الآن مع ارتفاع سعر صرف الدولار وقد وفر فعلا الوقت والأموال . وسائل بدائية تعود إلي 150 عاما مراحل التصنيع ويوضح مهندس محمد عبداللطيف مدير التنمية بمجلس محلى ملوى أن العسل يمر بنحو 6 مراحل تبدأ بتجميع المحصول من الزراعات وتحميله فى مكان معد لذلك أمام العصارة ثم عصره ويمر عبر مواسير ليتم وضعه فى مكان للتصفية الاولى، ثم وضعه فى الغلايات للطهى، وفيها يمر العصير ب 8 غرف كل منها تؤدى للأخرى حتى ينتهى بالغرفة الأخيرة وهى غرفة الطهى وتصل فيها درجة الحرارة لنحو 200 درجة مئوية على الأقل وفيها يتحول العصير إلى عسل ويمر منها لأحواض التبريد تمهيدا لتعبئته لافتا إلى أن هناك عددا من القرى تشتهر بالعصارات منها المنشأة والروضة والشيخ حسين والبياضية. وقال طارق محمود بقطاع البيئة بملوى إنه يوجد حوالى 105 عصارات بمركزى ملوى وديرمواس فقط ، منها 78 عصارة فى مركز ملوى وتوابعه، المرخص منها 33 فقط وقد صدر أمر من محافظ المنيا أخيرا بإغلاق جميع العصارات غير المرخصة حتى تؤثر على كميات القصب التى يتم توريدها لمصنع السكر بأبوقرقاص باعتبار أن السكر من السلع الاستراتيجية موضحا أنه مع بدء موسم العصارات يتم تحرير محاضر للمخالفين، وغير المتوافقة مع البيئة، وعن تاريخ ظهور العصارات قال محمود إنه لا يعرف على وجه التحديد متى ظهرت بملوى ولكنه يرجع لأكثر من 150 عاما وكانت يدوية ثم تطورت حديثا . ولفت المهندس أحمد يوسف، وكيل وزارة الزراعة بالمنيا، إلى إنه يتم صناعة العسل الأسود من محصول القصب بنسبة 11% من إنتاجية المحصول، وهناك إقبال شديد على العسل كمنتج غذائى متكامل. مصنع العسل وأوضح إبراهيم العربى رئيس مركز ملوى أنه نظرا لأهمية منتج العسل وانتشار زراعة القصب بمركزى ملوى ودير مواس الذى تتميز به المنيا فقد شرعت وزارة الصناعة فى تجهيز مصنع للعسل بمنطقة تونا الجبل منذ 8 سنوات ولكنه لم يعمل حيث إن تكلفة تشغيله تفوق وارداته نظرا لانه يعمل بالسولار وهو مكلف مقارنة بالعصارات البدائية التى تستخدم مخلفات عصر القصب المعروفة باسم «المولاس» كوقود وهو ما ترتب عليه عزوف الفلاحين عن الذهاب بمحصولهم لعصره لتفادى تكلفة النقل رغم أنه تم تجهيزه وإمداده بتقنيات حديثة، فقد قام اللواء عصام بديوى محافظ المنيا بعمل جولة داخل المصنع والتواصل مع وزارة الصناعة المالكة للمصنع وتم نقل ملكيته للمحافظة ويجرى حاليا التواصل مع كبار أصحاب العصارات والمستثمرين لتأجيره لهم مقابل نسبة ربحية للمحافظة.