يبدو أن الثقافة الشعبية عن النفس الإنسانية ليس فقط لا تمت بصلة للعلم، وإنما هى خطر قد يربك حياة من يؤمن بها ويعمل وفق معانيها، خاصة وهى تغطى مساحات يومية عريضة: الشباب والشيخوخة والنسيان والتذكر والنوم والحلم والحب والكراهية والسعادة والحزن والمرض النفسى وعلاجه، والمدهش أن هذه الثقافة فى معظمها خرافات، بعضها متوارث من قديم الزمان، مثل أن الحاسة السادسة ظاهرة مؤكدة لها دلائل وبراهين علمية، وقيل إن الإنسان الذى يملك هذه الحاسة قادر على التخاطر أى قراءة الأفكار ، والجلاء البصرى أى معرفة وجود الأشياء أو الأشخاص المختبئين أو البعيدين، والاستبصار أى التنبؤ بأحداث المستقبل باستخدام وسائل خارقة للطبيعة، لكن التجارب العلمية لأكثر من عشرين سنة على أناس اشتهروا بأنهم من ذوى الحاسة السادسة. والخرافة كما يصفها كلاوس مانهارت عالم الاجتماع وفيلسوف العلوم الألماني: تؤدى وظيفة أساسية منذ فجر التاريخ وهى محاولة تفسير ما لا يمكن تفسيره., وبعض هذه الخرافات بثته الروايات وأفلام السينما مثل أن فترة المراهقة هى بالضرورة مرحلة اضطراب نفسى فى حياة الإنسان، وانتجت السينما عشرات الأفلام عن أزمات المراهقين واضطراباتهم مستندة إلى كتابات إخصائيين علم نفس تقليديين مثل «آنا فرويد»، ابنة الشهير جدا «سيجموند فرويد» والتى قالت إن المراهقين الذين لا يمرون بكثير من الاضطرابات مرضى معرضون بدرجة كبيرة لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية فى سن الرشد لكن الدراسات الحديثة بينت أن 20 ٪ فقط من المراهقين هم الذين يمرون باضطرابات واضحة، وفى الغالب قادمون من خلفيات أسرية متخمة بالمشكلات، بينما تتمتع الغالبية العظمى بحالات مزاجية إيجابية وعلاقات متوائمة مع آبائهم وأقرانهم. هذا هو سر أهمية هذا الكتاب «أشهر 50 خرافة فى علم النفس» ومتعته الفائقة، لمجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات الأمريكيين «سكوت ليلينفيلد، ستيفن جاى لين، جون روشيو، بارى باير ستاين»، فهو يفند تلك الخرافات ببراعة علمية وسهولة فائقة دون الاستغراق فى المصطلحات والنظريات الصعبة، وفى الحقيقة لا يتوقف الكتاب عند الخمسين خرافة الشهيرة، وإنما يضم إليها 250 أخرى فى جداول تفسيرية دون إسهاب أو شرح، تكاد تشمل كل تصرفاتنا وأفكارنا اليومية. مثلا هناك خرافة شائعة عن الكحوليات بأنها تساعد على النوم وتدفئ الجسم، والصحيح أنها تؤدى إلى النوم السريع لكنها تمنع النوم العميق وتتسبب فى تقطعه، وسرعان ما يفقد الجسم دفأه وتجعله يبرد.ومن أشهر الخرافات قاطبة أن معظم الناس يمر بأزمة منتصف العمر فى الأربعينيات أو فى أوائل الخمسينيات من العمر، خاصة كلما صادفنا رجلا فى هذا السن زرع شعرا وترك زوجته من أجل فتاة فى العشرينيات، وفسروا ذلك بأن الإنسان فى تلك الفترة تضطرب أحواله ويراجع ذاته، وتتراجع لياقته البدنية ويفكر فى الأحلام والأمال التى لم يستطع أن يمسك بها، ويواجه احتمالات الوفاة، فيهرب من كل ذلك بأفعال متمردة جانحة. لكن الأبحاث على آلاف الرجال والنساء فى الصين والولايات المتحدة توصلت إلى نتائج عكسية، وكشفت حياتهم أنهم يملكون زمام أمورهم بصورة أفضل، وأنهم أكثر راحة ورفاهية عما كانت عليه فى الماضى، وتراوحت نسبة الذين مروا بأزمات بين 10 إلى 25 ٪ من العينات. ومن ضمن الخرافات أيضا: معظم المصابين بفقدان الذاكرة ينسون كل تفاصيل حياتهم السابقة. العصا لمن عصى. التعبير عن الغضب أفضل من كتمانه. الأفراد المصابون بالفصام لديهم شخصيات متعددة. الاحلام لها معنى رمزى. يختلف الرجل والنساء فى طرق التواصل اختلافا تاما. السمات الموروثة يستحيل تغييرها. خط اليد كاشف عن صفات الشخصية. خرافات كثيرة تحيط بنا فى كل مناحى الحياة النفسية، والحل أن نكف عن الخرافة ونلجأ للعلم والعلم عند العلماء والأطباء وليس فى الأقوال المرسلة.