كلما زرت بيت الله الحرام وبيت نبيه عليه الصلاة والسلام، ادرك حجم الجهد الكبير الذي تبذله حكومة المملكة العربية السعودية من أجل خدمة الحجيج والعمار والزوار ، ونظرة سريعة لما يتم في المسجد الحرام تحديدا من حجم أعمال انشائية تمنح الناظر القدرة على تقييم الأمر ، لذا وجب على المسلمين الذين كتب الله لهم زيارة بيته الحرام أن يذكروا هذا الجهد ويشكروا القائمين عليه، بدءا من العمال الذين يتولون نظافة المكان بعد كل صلاة، ومن يقومون بملء قوارير المياه بماء زمزم لينعم الزوار بشرب ماء مباركة في يسر وسهولة، وصولا إلى رجال الأمن الذين يحيطون بكل الأبواب وحول الكعبة المشرفة لضمان تسيير الأمور في يسر للداخلين والخارجين. ورأيت بعيني حجم المعاناة خصوصا في المسجد النبوي، التي يواجهها رجال الأمن والنظام في اقناع الزوار بالالتزام اثناء الزيارة خصوصا في الدخول للروضة الشريفة، والمرور أمام قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبى بكر الصديق وعمربن الخطاب رضي الله عنهما، الأمر الذي يدفع رجال الأمن والنظام الى مطالبة المارين باحترام قدسية المكان، لكن هيهات، التدافع شديد والتمركز أمام قبر النبي وصاحبيه هدف غالبية المارين، فالامر عندهم ليس إلقاء السلام او قراءة الفاتحة او ابلاغ سلام من حملوهم السلام للحبيب ، وانما للتصوير بكاميرات الهواتف المحمولة، والتركيز في التصوير على الفتحات الثلاث الموجودة في مجسم القبر اعتقادا منهم انهم سيظفرون بلقطة للقبر من الداخل يتباهون بها امام اقاربهم عند عودتهم الى ديارهم. ولا أدري لماذا ينسى هؤلاء جلال الموقف وعظمة المكان وينصرف ذهنهم عن الدعاء والسلام الى التصوير، وكأنه في مكان آخر من أماكن الدنيا التي يرتادونها للتنزه ، وحاشا لله ان يكون بيت النبي الكريم مكانا لغير العبادة والخشوع والسلام والدعاء، فالمساجد مجالس علم تحفها الملائكة. إن الأمر محزن جدا وبحاجة ملحة الى سرعة التصدي له، إما باصدار قرار بمنع استخدام الهواتف المحمولة داخل المسجدين الحرام والنبوي، أو تبصير الناس من خلال علماء الدين بحسن التصرف في الاماكن المقدسة، فزيارة البيتين تتوق لها أفئدة المسلمين في كل بقاع الارض، وتحلم باللحظة التي تتحقق فيها، فلماذا يهدر الكثيرون الوقت اثناء الزيارة في أشياء لن تنفعهم، لماذا يتركون الصلاة والتسبيح والخشوع لله، وينصرفون الى أعمال دنيوية تهدف إلى التفاخر والتباهي، فهل يليق الامر أن يقف معتمر بملابس الاحرام امام الكعبة المشرفة، ويعطيها ظهره ليلتقط سيلفي، أو يوقف احد المعتمرين مثله ليلتقط له صورة. ومن أسف أن اللحظات التي تسبق الآذان لأي صلاة بالمسجدين الكريمين تنبعث فيها أصوات المؤذنين عبر الهواتف ولا يوقفها أصحابها وتستمر في بث الاذان رغم أن مؤذن الحرمين يكون قد بدأ في الآذان، ويبقى المشهدان اللذان يراهما كل معتمر حول الكعبة في الطواف خصوصا هذه الأيام التي تم فيها تقليص مساحة صحن الكعبة, وبالتالي إتاحة الفرصة للمعتمرين فقط ليكونوا وحدهم في الصحن حول الكعبة، فتجد المئات وقد وقفوا أمام باب الملتزم ليعوقوا حركة المعتمرين بعد الحجر الاسود الذي يبدأ من عنده الطواف في كل شوط، ومثلهم يقفون حول مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام ويصرون على أداء ركعتي سنة في هذا المكان ليجد المعتمرون انفسهم وكأنهم في أنبوب ضيق، وهنا يجدر القول أن الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام تضع لافتات بكل اللغات تطالب المعتمرين بالتوجه الى المكان المخصص لاداء ركعتي السنة بعد انتهاء الطواف، لكن احدا لايلتزم، ومن هنا يكون الطواف مزدحما طيلة الوقت، وبالطبع لايسلم الطواف من التصوير عبر الهاتف، ولاندري اين يكون تركيز الطائف في تلك اللحظات هل مع الدعاء الذي يتطلب خشوعا لله، ام مع الصورة التي يحرص على التقاطها، أما المشهد المبكي فذلك الصراع الذي تستخدم فيه الاذرع والاكواع دون وازع من خشية أو رحمة بالآخرين من أجل الظفر بقبلة للحجر الأسود ، والمؤسف انه عند الصلاة يوقف رجل الامن تقبيل الحجر ويقف الناس انتظارا للصلاة، وبينما يلقي الامام سلام ختام الصلاة تجد تكالبا على الحجر وكأن سباق عدو أعلنت بدايته، وتفشل كل محالات الامن تذكير الناس بضرورة التسليم في خشوع. إن الأمر جد مهم ويتطلب تدخلا عاجلا من رجال الدين في عالمنا الاسلامي لتوعية الناس الذاهبين للعمرة بآداب زيارة الحرمين، باعتبارهما من مقدسات ديننا الحنيف وأعظم مكانين تشد اليهما الرحال ومعهما المسجد الاقصى فك الله آسره. لمزيد من مقالات ◀ أشرف محمود