«انتصرت جمهورية كتالونيا على الدولة الإسبانية».. كانت هذه أولى كلمات الزعيم الكتالونى السابق كارلس بويجديمون بعد أن أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية التى أجريت مؤخرا عن فوز الأحزاب الانفصالية بالأغلبية فى أول انتخابات تجرى منذ استفتاء الاستقلال المثير للجدل فى أكتوبر الماضي, وهو فوز قد يعطى هذه الأحزاب زخما جديدا فى الشارع السياسي. \الانتصار لم يكن حاسما، فحصول الانفصاليين على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان لا يعنى أنهم حصلوا على الأكثرية المطلقة من أصوات الناخبين، بل إنهم لم يحصلوا حتى على الأغلبية البسيطة، والسبب فى ذلك يرجع إلى النظام الانتخابى المتبع فى كتالونيا والذى يعطى أفضلية للمناطق الريفية التى يتجذر فيها الانفصاليون، ما منحهم الفوز من حيث عدد المقاعد ولكن لم يحصلوا على الأغلبية فى عدد الأصوات. فقد فازت الأحزاب الانفصالية الثلاثة: «معا من أجل كتالونيا واليسار الجمهوري» و «الوحدة الشعبية» مجتمعة ب 70 مقعدا من أصل 135 مقعدا أى أقل بمقعدين من انتخابات عام 2015، محققة سقفا -على ما يبدو- أنه سيمكنها من الحكم فى حال توصلت إلى تشكيل تحالف فيما بينها،بينما إقتنص حزب «المواطنون» المؤيد لأسبانيا موحدة - للمرة الأولى - أكبر كتلة برلمانية بواقع 37 مقعدا. نتائج التصويت أثارت مزيداً من التساؤلات أكثر من الإجابات حول مستقبل الإقليم، واعتبرها المعسكر المؤيد للانفصال ضربة لرئيس الوزراء الأسبانى ماريانو راخوى الذى تحدى الانفصاليين واستغل المادة 155 من الدستور لتعليق الحكم الذاتى بالإقليم بعد إعلان حاكمه بويجديمون استقلال بلاده عن إسبانيا مستندا إلى نتيجة الاستفتاء الشعبى الذى وافق عليه 90% من المواطنين ما مكن راخوى من الإطاحة بحكومة الإقليم والدعوة لانتخابات مبكرة على أمل إبعادهم عن السلطة. ولكن بدلاً من ذلك ارتدت الأمور سلبيا وبات الطريق ممهدا أمام بويجديمون لاستعادة السلطة مرة أخري، لكن القادم لن يكون هينا بالنسبة له كما يعتقد وذلك لسببين: الأول صدور أمر اعتقال بحقه بتهمة الدعوة للفتنة والشغب والانشقاق داخل البلاد، وهى اتهامات قد تبقيه فى السجن لعقود مما اضطره إلى الهرب إلى بروكسل. والسبب الثانى أنه لا يمكن لبويجديمون أن يضمن توليه رئاسة الإقليم كأمر مسلم به لأن الحزبين الانفصاليين الآخرين أبديا بعض التردد فى إعادته لهذا المنصب. «اجلسوا لنتكلم».. هذا ما رأى خبير علم الاجتماع نارسيسو ميكافيلا أن إسبانيا بحاجة إليه الآن لتجنب مزيد من الانقسام السياسي، غير أنه مع رفض راخوى للحوار إلا مع الحزب الفائز وهو «المواطنون» بقيادة النقابية البارزة إيناس أريماداس من جهة، وتشبث بويجديمون بالجلوس على طاولة المفاوضات فى أى بلد أوروبى غير إسبانيا خوفا من اعتقاله من جهة أخرى، تنذر الأمور بمزيد من التعقيد فيما يتعلق بتصويت البرلمان الجديد على تشكيل حكومة قبل نهاية مارس. وفى حال فشل البرلمان فى ذلك يتم إجراء انتخابات جديدة فى الشهرين التاليين ليبقى إقليم كتالونيا تحت قيادة الحكومة المركزية فى مدريد. صراع سياسى طاحن إذا يلوح فى الأفق بين طرفى الصراع لفتت النظر إليه صحيفة «الجارديان» البريطانية فى تقرير لها قائلة إن تلك الانتخابات لن تنهى الانقسامات الموجودة فى البلاد، ولن تنجح فى القضاء عليها بمجرد إعلان النتائج لأن الأزمة ستبقى محتدمة حتى وإن شابها بعض الفتور النسبي.. وأشارت أيضا إلى أن الانتصار الانفصالى لن يفعل شيئا يذكر لتغيير الأمور، بل قد يؤدى إلى انشقاقات فى صفوف حركة الاستقلال. فالانفصاليون المتشددون يريدون العودة إلى العصيان المدني، ولكن يبدو أن القيادة أدركت أنه مع تجاهل الإتحاد الأوروبي، أصبح هذا الأمر صعبا، لذلك قد تسعى فقط إلى استعادة الحكم الذاتى فى كتالونيا، والحصول على عفو عن قادتها الملاحقين جنائيا. وخلص التقرير إلى أن اليقين الوحيد هو أن الطرف الفائز سوف يواجه مهمتين شاقتين: إصلاح الانقسامات فى كتالونيا، وتحقيق السلام مع مدريد. فى حين يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الواقع الاقتصادى سيفرض نفسه أيضا على الانفصاليين الذين سيضطرون إلى تليين مواقفهم من أجل وقف تراجع القطاع السياحى والاستثمارات المستمر منذ بداية الأزمة, حيث دفع فوز تلك الأحزاب بأغلبية البرلمان، البورصة للهبوط بنحو 1% متأثرة بمخاوف من أن يسبب التوتر بين إسبانيا وأغنى أقاليمها, ضررا لرابع أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو, وهو ما بدأت توابعه تظهر بالفعل من تراجع فى قيمة اليورو أمام الدولار. أسئلة كثيرة تدور الآن فى ذهن المواطن: من يصبح رئيسا لكتالونيا؟ هل ينجح تحالف الانفصاليين فى الصمود أمام السلطة المركزية فى مدريد فى معركة تكسير العظام؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.