في واحدة من سلسلة تصريحاته العنترية صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بأن أمريكا تتكلف ثمنا باهظا لحماية حلفائها في الشرق الأوسط، وأنه آن الأوان أن يدفع العرب ثمن حماية أمريكا لهم، وتناولت سعي الكونجرس إلي حث ترامب للتروي قليلا قبل إصدار تصريحاته المتهورة وخاصة تلك التي تمس القضايا المعقدة في الشرق الأوسط، والسير علي خطي الرؤساء السابقين خشية أن تتعرض المصالح الأمريكية للخطر، إلا أن ترامب يصر دائما علي أنه رئيس مختلف ولن يسير علي خطي من سبقوه من الرؤساء والظهور بمظهر المختلف كما حدث عقب إعلانه عن نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، إذ راح يتفاخر بأنه فعل ما لم يفعله كل رؤساء أمريكا السابقين، ويبدو أن ترامب يريد أن يضيف إلي سيرته الذاتية وظيفة جديدة مدفوعة الأجر تسمي «بودي جارد العرب» بدعوي حمايتهم من الأخطار المحيطة بهم، وفي اعتقادي أن ترامب غير مؤهل للقيام بمهام تلك الوظيفة التي تفتقد كثيرا من المصداقية لأسباب كثيرة منها: لم تكن أمريكا أبدا ولن تكون علي مسافة واحدة مع أطراف النزاع العربي الإسرائيلي، لانحيازها الكامل لإسرائيل باعتبارها حليفها الوحيد في المنطقة مما يحول دون قيامها بوظيفة تخدم العرب دون إسرائيل، وجاء قراره المتهور بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليسقط دوره كوسيط أو راع لأي حل قادم في النزاع العربي الإسرائيلي. وفقدت أمريكا الكثير من رصيدها لدي الدول العربية خاصة بعد قرار ترامب بنقل سفارتها إلي القدس وكانت فرصة ذهبية لروسيا بزعامة بوتين كي تكسب أرضا واسعة في المنطقة بفضل الاستراتيجيات المتوازنة والعاقلة، وأعتقد أنها نجحت في سحب البساط من تحت أقدام ترامب ليكون بوتين في المستقبل القريب هو الحليف الأفضل للعرب. أن تجارب أمريكا السابقة والحالية في التدخل في شئون سوريا والعراق واليمن وقطر والكويت وغيرها من الدول العربية بدعوي إرساء الأمن والأمان في المنطقة لم تكن في صالح أي من تلك الدول بل كانت كلها تصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا ولم يعد من السهل علي ترامب أن يسوق نفسه للقيام بدور الكاوبوي أو البلطجي الذي يحمي العالم العربي تحت مسمي «بودي جارد العرب»، والواقع أنه جاء لإقامة جسوره وقواعده العسكرية في بعض الدول العربية وجاء ليبيع الوهم والسلاح لدول عربية بعينها بمليارات الدولارات ويقبض ثمن تدريب الجيوش العربية علي الحرب للدفاع عن النفس من خطر الأشقاء والجيران العرب وليس من خطر إسرائيل!! وقد آن الأوان كي يفهم ترامب أن العرب تعلموا الدرس من الفوضي الخلاقة التي دعي إليها منذ ست سنوات وبدت نتائجها في إشعال الفوضي والتفكك والحروب الأهلية في كل دول الشرق الأوسط عدا إسرائيل. سياسيات الأمر الواقع ولي الذراع التي تطبقها أمريكا لتسويق قراراتها العنترية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية وتهديد الدول العربية والإفريقية بقطع المعونة الأمريكية أو التخلي عن القضية الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والمحاولات المستميتة لطرد الفلسطينيين من بلادهم وتوطينهم في بلاد مجاورة لإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل كي تلتهم الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل.. كلها سياسات عفي عليها الزمن ولم تعد تجدي نفعا، فهناك في حياة الشعوب عقائد وثوابت راسخة لا تتغير في مقدمتها أن الأرض والعرض والوطن أشياء لا تباع ولا تشتري ولو بكل كنوز الدنيا! د.هانى عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال