حجاب الحوائط «لأمهات المؤمنين».. والمرأة المسلمة يكفيها الاحتشام الطلاق الصامت يخيم على كثير من البيوت مصاريف تعليمى الثانوى كانت تعادل ثمن 3 أفدنة
الدكتورة آمنة نصير نائبة البرلمان هى خير سفيرة للمرأة القادمة من الصعيد المتشبعة بخليط قيمى نتاج فكر وعادات وتقاليد وموروث ثقافى نجحت فى دمجه مع تعليمها الراقى فى مدارس أجنبية ليكون الناتج النهائى فيلسوفة وأستاذة جامعية تملك الجرأة على طرح آرائها بحرية غير عابئة بما يمكن أن تثيره من جدل. فى هذا الحوار فتحت د. آمنة قلبها للأهرام وتحدثت حول العديد من قضايا الساعة ومشاكل المرأة التى تتبناها سواء تحت قبة البرلمان أو فى مختلف المنابر الأكاديمية والإعلامية. ............................ كيف استطعت التغلب على العادات والتقاليد التى تمنع البنات من استكمال التعليم خاصة فى الصعيد؟ فى البداية تحدثت مع والدى بشكل مباشر برغبتى فى استكمال تعليمى، لكنه رفض فى البداية وقال لأمى اننى أصبت بمس من الجن، وبعد محاولات كثيرة تدخل ناظر المدرسة التى كنت أدرس فيها وهو قريب لنا، حتى جاء الفرج بعد أن وعد الناظر أبى بأنى يلحقنى بمدرسة مثل السجن. دخلت مدرسة الأمريكان التبشيرية الداخلية وكانت مصاريفها فى ذلك الوقت 250 جنيها أى ما يعادل ثمن 3 أفدنة وبعد أن أنهيت التعليم الثانوى قررت الالتحاق بالجامعة فرفض والدى مجددا، فقمت بالاتصال بأقاربى المقيمين فى الإسكندرية واكتشفت بالصدفة صلة قرابة مع الدكتورة فتحية سليمان عميدة كلية بنات عين شمس وزوجة الدكتور عبد العزيز السيد وزير التعليم العالى فتحدثت معها لتقنع والدى بالسفر إلى القاهرة لاستكمال دراستى الجامعية وبالفعل تحدثت مع والدى وأقنعته بالأمر. لماذا اخترت دراسة الفلسفة على عكس عادة خريجى مدارس اللغات؟ - كنت أريد أن أتوازن مع نفسى لأنى من بيئة شديدة الحرص على التقاليد ودرست فى مدرسة شديدة الانفتاح والتحضر فتكونت لدى رؤية مستقبلية للحاضر والمستقبل لذلك أصبح عندى رغبة كبيرة فى التوازن بين ما تعلمته وبين البيئة التى عشت وتربيت فيها، ووجدت أن دراسة الفلسفة هى التى تحقق لى هذا. هل التحضر الذى يعيشه المجتمع حقيقى أم انه وجه زائف لتفكير رجعى؟ للأسف نحن حاليا أسرى أفكار ليست رجعية فقط وإنما هى أفكار الجاهلية، فقد أصبحت لدينا ثقافة دينية متشددة على أسس فقه التشدد الذى انتشر فى المنطقة ووفد المتشددون إلى مصر وفتحت لهم القنوات فى القاهرة وملأوا فضاءنا مع تراجع مؤسسة الأزهر فى النصف الثانى من القرن الماضى. هذا الفراغ بجانب الأمية المنتشرة لدى الشعب المصرى خصوصا بين النساء أوجد المناخ المهيأ لشيوخ التشدد، وكل ما نراه فى الستين عاما الأخيرة ثقافة وافدة إلينا وليس من شيم المجتمع المصرى، فقديما لم نكن نشاهد فى الشارع امرأة واحدة ترتدى النقاب وحتى ارتداء الحجاب كان مقصورا على الريفيات. هل هذا يعنى أن الحجاب ليس فرضا على المرأة المسلمة؟ الحجاب هو حجاب الحوائط لأمهات المؤمنين إنما المرأة المسلمة عليها أن تحتشم فى مظهرها بما لا يصف ولا يشف فى ملبسها وبما لا يلفت النظر، والمرأة المسلمة تلبس ما تشاء وتتصرف بشكل متحضر على ضوء احتشامها لكن التزمت والانغلاق الشديد الذى أراه الآن واستخراج آراء فكرية تنم عن الجمود والتشدد هذا من مستحدثات نصف القرن الأخير التى وفدت إلينا. ما تعليقك على اقتصار الفتوى على أشخاص محددين من قبل مؤسسة الأزهر؟ كان موقف الأزهر فى هذا على حق بعدما انتشرت الفتاوى التى لا تتسق مع صحيح الدين، ويجب على من يتصدى للفتوى أن يأخذ الثمين من الموروث ومن التراث ولا يأخذ الشاذ منها الذى هو نتاج لعصور لا تخدم عصرنا، ولأن اختيار الفتاوى الشاذة وطرحها على الناس من قبل أسماء تنتمى إلى الأزهر كانت مسألة مؤلمة فى الحقيقة. لكن للأسف الأزهر لم يعالج المسألة العلاج الحكيم فقد تم تشكيل لجنة من 50 شخصية دون تدقيق بل انهم ضموا بعض الأسماء ممن لهم برامج على الفضائيات ولهم جمهورهم ومع ذلك تغافلوا عنهم، الحقيقة انه على قدر ما كان الاهتمام بتقنين الفتوى أمرا مطلوبا فانهم لم يحسنوا اختيار الأسماء. قيل إنك غاضبة لعدم اختيارك ضمن اللجنة؟ هناك كثيرون سألونى عن ذلك واستغربوا عدم وجودى لكننى أجبت «أنا مش بتاعة فقه» أنا أستاذة إنسانيات وفلسفة واجتماع وعلم نفس واعتز بتخصصى ولا أحب أن أخوض فى علم ليس بضاعتى، حتى أننى كثيرا ما أتعرض وأسأل فى مسائل فقهية لكننى أرفض التعليق عليها وأقول لهم اذهبوا لدار الإفتاء. قانون الأسرة قوبل بانتقادات كثيرة من الجمعيات المهتمة بقضايا المرأة ما تقييمك له؟ لم اطلع عليه وتركت الساحة للجميع لكن إذا وجدت ما يمس العدل للمرأة فى كل أحوالها وظروفها سواء وارثة أو مطلقة أو معيلة فى كل هذه الأحوال ما لم تنصف بعدل الله فلن اصمت على هذا والأيام بيننا. ويكفى أن العرف الاجتماعى والموروث الثقافى بالغ فى تضخيم شخصية الرجل فى البيت، وأعطاه حق الجور على الزوجة والقسوة عليها، فأصبح لدينا الطلاق الصامت بمعنى أن تبقى المرأة فى بيت مع رجل لا تطيقه لأنها لا تجد مأوى، كما أن السيدة المطلقة رخيصة فى نظر المجتمع. رأيك المعلن فى إعطاء المرأة نصف دخل الرجل آثار جدلا كبيرا قبل دخولك البرلمان، فهل تنوين تقديمه كمقترح بقانون تحت قبة المجلس؟ - هذا الرأى كان نتيجة تأثرى بقصة امرأة وجدتها تجلس فى الشارع الذى اسكن فيه وتبكى بكاء مريرا، وعندما سألتها عن سبب بكائها قالت إن زوجها عاد إلى المنزل فى المساء ليخبرها بأن «تلم هدومها» وتخرج من المنزل لأنه تزوج سكرتيرته ويريد أن يستقر معها فى بيته. هذا المنظر استفزنى جدا وبعدها بساعة كنت أجرى حوارا صحفيا فطالبت فيه بسن قوانين لمثل هذه المرأة التى رأيتها، وكانت الفكرة تتلخص فى عمل جدول، الزوجة التى تمكث فى خدمة بيتها 5 سنوات وطلقها زوجها تأخذ %5 من دخله، ومن مكثت 10 سنوات تأخذ %10، ومن مكثت 25 سنة فما فوق تقاسم طليقها دخله حتى تعيش باقى حياتها بكرامة، كان هذا اقتراحا أعلنته قبل دخولى البرلمان وتصور البعض أننى سأعرضه فى البرلمان لكن هذا لم يحدث حتى الآن. ما تعليقك على القرار التونسى بإلغاء قانون يمنع زواج المسلمة من غير المسلم؟ تونس بحكم تقاربها مع الغرب تشهد تعاملا مع قضايا الأحوال الشخصية يثير الجدل أحيانا، واعتقد أن هذا الجدل له وجاهته فقد حرم الإسلام زواج المسلمة من الكافر، وأنا لا اعتبر المسيحى كافرا فهو مؤمن لكن المدارس الفقهية ترفض هذا الزواج لان الرجل فى البيت هو الذى له القول الفصل ومن هنا يخشى على المرأة من التحول أو التكاسل فى دينها. رأيى الواضح فى قضية زواج المسلمة من المسيحى أننى لا أحبذه لكننى لست ضده عندما يقع. ما تقييمك لأداء البرلمان فى مناقشة القضايا التى تهم الشارع؟ للأسف إدارة البرلمان لا تستفيد من التخصصات الكبيرة والمتميزة الموجودة فيه، وأعتقد انه يجب على من يدير الجلسات أن يعطى الكلمة لأهل الخبرة للاستفادة من أهل العلم والتخصص والتميز بأى قضية تناقش وهو ما لا يحدث للأسف واعتبرها فريضة غائبة فى البرلمان. كيف تتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعى ؟ لا أقترب منها فليس لدى وقت لأفسد نفسيتى وعقلى لأن هذه المواقع شر وهى فتنة هذا العصر، وأذكر أن الأمينة العامة لمؤتمر دولى كنت احضره فى النمسا قالت لى ضاحكة: «نحن صنعنا الشر وانتم غرقتم فيه». هل تختلف قضايا وهموم المرأة فى الصعيد عنها فى القاهرة؟ القضايا واحدة لا تختلف قضايا الصعيدية عن قضايا المرأة فى القاهرة لأن زحف المدنية على الصعيد أفسد الكثير من تقاليدنا وقيمنا سواء فى علاقة رب البيت بأسرته أو علاقة ربة البيت بالزوج والأبناء، هذه العلاقات تأثرت كثيرا بثقافة المدينة.