وكأن العالم أمسى وأصبح ليجد واقعا جديدا يدعى ال»بيتكوين»، ويبدأ حديث يعقبه آخر مرة عن تعريف الوارد الجديد إلى محيط التعاملات المالية دوليا، ومرات عن مدح العملة الافتراضية التى حققت للأفراد مطلق الحرية والخصوصية، بعيدا عن هيمنة الحكومات وأحكام البنوك المركزية والتحولات السياسية، ومرات ومرات عن التحذير من «فقاعة اقتصادية» ستضرب مكتنزى ال«بيتكوين» فى مقتل. ولذا وجب التوضيح السريع والمبسط. مبدئيا ال «بيتكوين» ليست بالاختراع المستحدث تماما، بل إنها أقدم مما يظن الكثيرون، فقد شهد عام 1998 أول طرح لفكرة إيجاد عملة افتراضية، كما أن مكونات وتفاصيل منظومة ال»بيتكوين» نفسها ظهرت على دفعات وعلى مدار سنوات حتى خرج فى عام 2009 مما يدعى «ساتوشى ناكاموتو» بإعلان منظومة ال«بيتكوين». وكان صاحب ال»بيتكوين» جزءا أساسيا من الأساطير التى نسجت حول العملة الجديدة، فقيل إنه نظام آلى وليس إنسانا فعليا، وقيل إنه شخص مجهول يعبث بالمقادير الاقتصادية للعالم، أو أن جهة ما تولت هذه المهمة باقتدار، وهكذا حتى خرج رجل الأعمال الاسترالى كريج رايت فى مايو 2016 وطرح نفسه بكثير من الأدلة على أنه هو وليس غيره مخترع العملة الجديدة، لكن التشكيك ظل يلاحقه حتى سقطت مزاعمه، وعادت ال«بيتكوين» إلى أبيها المجهول ناكاموتو. وعن طبيعة أو ماهية ال«بيتكوين»، يمكن القول إنها فكرة مبتكرة وجذابة تقوم اختصارا على إيجاد عملة رقمية ليس لها وجود مادى تستخدم فى عمليات الدفع الإليكترونى والتحويل المالى ولا يرتبط ببنك مركزى أو سوق للأوراق المالية مثل باقى العملات والمنتجات المالية، كما تتخذ من شبكة الإنترنت محيطا أساسيا لتعاملاتها. ويتم صك وحدات ال«بيتكوين» أيضا بشكل رقمى عبر ما يعرف ب«التعدين الإليكترونى»، وهى عبارة عن عملية حسابية معقدة يتم طرحها على طالبى ال«بيتكوين»، ويستغرق إتمامها جولات وجولات حتى تنجح ويصل المنقب على غايته من ال«بيتكوين». فى بداية الأمر، كان يتم استخدام أجهزة الكمبيوتر الاعتيادية فى عمليات التنقيب، إلا أنه أصبح هناك أجهزة تم تصميمها خصيصا ويجرى استعمالها من أجل هذا الغرض وحده دون أى شىء. ثم ماذا بعد؟ استخراج ال«بيتكوين» أو ما يطلق عليها بالذهب الجديد، يعقبه إنشاء «حافظات بيتكوين» تحمل توقيعا إليكترونيا مشفرا لصاحبها ثم تبدأ المعاملات عبر شبكة الإنترنت. وتتسم تلك المعاملات كما وصفها ناكاموتو فى إعلانه الأول بأنها غير مركزية وأنها مباشرة بين فرد أى فرد بدون استقصاء أو وضع شروط للقبول به أو رفضه وآخر». ويعنى ذلك غياب الوسيط أو الجهة العليا مثل البنوك التى عادة ما تضع الإجراءات المعقدة لتنظيم هذه المعاملات أو توجهها وفقا لقوانين ما، وهو ما أطلق عليه البعض «الديمقراطية المالية». وحول مجالات استخدامها، فهى كل شيء وأى شيء شيء، طالما توفر شرط «التراضي» بين الأفراد، بمعنى أن ال»بيتكوين» يتم استخدامها لإتمام عمليات البيع والشراء وتسديد أثمان الخدمات وإجراء التحويلات المالية بين أى اثنين أو أكثر من أصحاب «حافظات البيتكوين»، حتى إن المصادر تتندر بأن بعض مقاهى العاصمة الألمانية برلين باتت تحصل مقابل خدماتها بتحويلات ال «بيتكوين» الإليكترونية. أما وعن قيمتها، فقد بدأت ببضعة سنتات، ثم قفزت القفزة تلو الأخرى بفضل إقبال الأفراد على التنقيب عنها وتبادلها لتصل إلى حوالى 17 ألف دولار لوحدة ال «بيتكوين». ويسهم فى عملية التكريس القادمة لل«بيتكوين»، تطوير ما يعتبر «بنية تحتية» للعملة الافتراضية إثر انتشار متزايد حول عواصم العالم تحديدا بالشق الغربى من الأرض بأعداد «ماكينات الصراف الآلى» المتخصصة فى بيع وشراء ال «بيتكوين». ولكن حتى بعد انتصارات بورصة شيكاجو، فأن الجدل حول ال «بيتكوين» مازال قائم. فمن جانب، هناك طبعا امتداح تجربة تمكين الأفراد فى إدارة معاملاتهم المالية بتخطى أى جهة أو دولة، وطبعا من أفضال العملة الافتراضية صعوبة اختراق منظومتها الإليكترونية. ومن جانب آخر، فإن الشكوك والانتقادات لا نهاية لها وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر، تكرار وقائع استغلال العصابات الإجرامية للعملة الجديدة كما فى عمليات الفدية الإليكترونية فيما يخص تشكيلات القراصنة الإليكترونيين. وهناك أيضا توظيف العملة الجديدة فى عمليات غسيل الأموال كما كشفت شرطة العاصمة اللندنية. وهناك طبعا الشك الدائم حول عدم شفافية منظومة عمل ال«بيتكوين» بعيدا عن أى سياسات أو إجراءات تنظيمية، والمخاوف من انهيارات قيمة العملة إذا ما تدخلت الحكومات بالضرائب والضبط والربط، بل إن الانتقادات حتى بلغت حد اتهام أجهزة الكمبيوتر المخصصة لل«بيتكوين» بمزاحمة النظام المالى الرسمى فى استهلاك الموارد الدولية للطاقة. تبقى الإشارة إلى أن ال«بيتكوين» ليست وحدها فلها أشقاء وشقيقات أقل شهرة مثل ال«إيثيرام» وال«ليتكوين»، والبقية تأتى لإكمال ثورة العملات الافتراضية.