لم تتاجر مصر يوما بالقضية الفلسطينية مع أنها أكثر من حارب وقاوم من أجل تلك القضية، فى الوقت الذى زايد عليها الكثير من الدول والتيارات السياسية التى لم تقدم للقضية أكثر من تصريحات وهتافات، بل واستغلها معظمهم فى سياق معاركهم السياسية وأحيانا الشخصية. والحقيقة أن مصر أيضا لم تتأثر يوما بتلك المزايدات حتى تلك التى جاءت من بعض الفصائل والقيادات الفلسطينية، فإيمانها بعدالة تلك القضية وبدورها المحورى فيها كان دائما أكبر من التأثر بتلك المزايدات. فمصر هى الدولة الوحيدة التى تشارك الفلسطينيين تحمل تكلفة الصراع مع الإسرائيليين ليس فقط من خلال تقديم الدعم السياسى والاقتصادى والإعلامى ولكن من خلال تقديم الشهداء خلال الحروب التى خاضتها من أجل تلك القضية، فمصر قدمت كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى 100 ألف شهيد للقضية الفلسطينية، معتبرا أنه من غير المعقول أن تتم المزايدة على مصر ودورها فى القضية الفلسطينية. لا تنظر مصر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل إنها قضية مصرية استوجبت خوض الحروب بدءا من حرب عام 1948 وحتى حرب السادس من أكتوبر وهى الحروب التى كلفت مصر اقتصاديا الكثير بل إن تداعيات تلك التكلفة ما زالت قائمة حتى يومنا هذا. ورغم توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل فإن دورها واهتمامها بالقضية الفلسطينية لم يتغير ولم ينقطع، فمنذ اللحظة الأولى للبدء فى عملية السلام مع إسرائيل كان الرئيس السادات واضحا فى خطابه بالكنيست الإسرائيلى فى التأكيد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية. لقد خط السادات فى ذلك الخطاب الموقف المصرى بقوله «إننى لم أجئ إليكم لكى أعقد اتفاقاً منفردا بين مصر وإسرائيل، ليس هذا واردا فى سياسة مصر فليست المشكلة هى مصر وإسرائيل.... حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإن ذلك لن يحقق أبدا السلام الدائم العادل الذى يلح العالم كله اليوم عليه... وليس من المقبول أن يفكر أحد فى الوضع الخاص لمدينة القدس فى إطار الضم أو التوسع... وبكل صدق أقول لكم إن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير الفلسطينيين وإنه خطأ جسيم لا يعلم مداه أحد أن نغض الطرف عن تلك القضية أو أن ننحيها جانبا». كما حدد فى كلمته مبادئ خمسة لوجهة نظر مصر بشأن السلام كان منها «تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير المصير بما فى ذلك حقه فى إقامة دولته». وكما كانت مصر فى عهد الرئيس عبد الناصر هى من اقترح وعمل على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها هى من اقترح إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة ومن عمل على الاعتراف الدولى بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني. كما أن اتفاقية السلام مع إسرائيل لم تمنع مصر من إدانة العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين فسحبت سفيرها من إسرائيل ثلاث مرات، الأولى عام 1982 احتجاجا على الاجتياح الإسرائيلى للبنان، ودور عناصر الجيش الإسرائيلى فى مذابح صبرا وشاتيلا، والثانية عام 2000 احتجاجا على ممارسات إسرائيل إبان أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لتبدأ مرحلة من تجميد العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب، استمرت 5 سنوات، والثالثة عام 2012 احتجاجا على العدوان الإسرائيلى على غزة. بل إن السلام بين مصر وإسرائيل ظل باردا وغير مرحب به شعبيا بسبب بقاء القضية الفلسطينية دون حل وتكرار العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين. وفى هذا السياق قال الرئيس الأسبق مبارك فى عام 2009 بالكويت «إن غطرسة القوة لن تقهر المقاومة.. ولن تفرض الخضوع على شعب فلسطين، أقول لقادتها إن أمن شعبكم يتحقق بالسلام وليس بالطائرات والدبابات.. وأقول لهم إن القضية الفلسطينية سوف تنتصر فى النهاية.. وإن الاحتلال مصيره إلى زوال... أقول لهم إن العرب طلاب سلام عادل وشامل يقيم الدولة الفلسطينية المستقلة، ويحرر جميع الأراضى العربية المحتلة». لقد أدت المزايدات سواء على المستوى الداخلى فيما بين الفصائل الفلسطينية أو على المستوى الإقليمى بمزايدات تيارات ودول تبحث لها عن دور على حساب الدور المصرى والدول التى اختارت الانحياز إلى الموقف المصرى إلى ما وصلت إليه القضية الفلسطينية، ليس فقط بوقوفها على حافة ضياع القدس، ولكن فى وصولها إلى المطالبة بدولة فى حدود 22% من أرض فلسطين التاريخية. إنها فعلا قضية الفرص الضائعة نتيجة تلك المزايدات. فهل تعى الفصائل الفلسطينية ومعها الدول التى تتاجر بالقضية الفلسطينية الدرس وتترك الفلسطينيين يتوحدون ولو من أجل القدس فقط ويؤجلون مزايداتهم لوقت لاحق؟ لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت