معاهدة الحد من الاسلحة الإستراتيجية الهجومية' ستارت-2' التي وقعت في براغ مؤخرا تظل محور نقاش الاوساط السياسية في الساحة الروسية. و ذلك من منظور مدي اعتبارها ضمانا لأمن روسيا واستجابتها لما سبق وطرحته من مخاوف بشأن نشر عناصر الدرع الصاروخية الامريكية.الواقع يقول ان النص الذي توصل اليه الجانبان جاء متوازنا يضمن لكل من الطرفين اعلان انه استطاع الذود عن مصالحه. غير انه يقول ايضا ان موسكو لم تستطع تضمين المعاهدة نصا, يقول بفرض القيود علي انشاء منظومة الدرع الصاروخية الامريكية وإن نصت علي الربط بين الاسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية. فقد كان واضحا للجانب الروسي ان أي اشارة الي الحد من نشر عناصر الدرع الصاروخية الامريكية ستكون حجر عثرة علي طريق تصديق الكونجرس الامريكي علي هذه المعاهدة. ولذا فقد اكتفيالجانبان بالنص علي الربط بين الاسلحة الدفاعية والهجومية. كما ان موسكو اعلنت في بيان منفصل, عن حقها في الخروج من المعاهدة في حال تضمن نشر عناصر الدرع الصاروخية لما قد يهدد امنها, وإن كان ذلك ليس ضمانا بطبيعة الحال. ويقول فيدور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة' روسيا في السياسة الدولية' إن المعاهدة لم تأت في جوهرها بالجديد الجذري النوعي, حيث إن حجم التقليص يظل معتدلا ولم تطرأ علي ترسانتي البلدين تغييرات نوعية جذرية كبيرة. اما فيما يتعلق بالخطوات المقبلة حول تقليص الاسلحة فإنها ستكون بالغة الصعوبة, حيث لن تستطيع روسيا ان تقدم ثانية علي اغفال قضية المنظومة الدفاعية الصاروخية نظرا لأن اي تخفيض لاحق للتسلح سوف يتطلب اكبر قدر من الوضوح بخصوص طابع وتوجهات الدفاع الامريكي المضاد للصواريخ. وذلك يفرض بالضرورة ما سبق واشار اليه الرئيس الامريكي باراك اوباما حول ضرورة ان تشمل المرحلة المقبلة لتقليص الاسلحة البلدان النووية الاخري وفي مقدمتها الصين وبريطانيا وفرنسا. وكان الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف قد اعلن خلال زيارته الاخيرة لواشنطن للمشاركة في قمتها النووية عن استعداد روسيا للمزيد من المناقشات حول الحد من التسلح مؤكدا ان المعاهدة الاخيرة تضمنت النوايا الجدية لكل من الطرفين, وإن اشار الي ضرورة الا يقتصر النقاش حول القوات الاستراتيجية الهجومية وهو ما فسره لاحقا بقوله:' هناك انواع اخري من الاسلحة يجب الاتفاق بشأنها وتنسيق المواقف حيالها الي جانب القوات الاستراتيجية الهجومية'. ووصف ميدفيديف هذه القوات بأنها' قوات نووية استراتيجية'. وفسر الرئيس الروسي مراده بقوله' ان ثمة مسائل تتعلق بضرورة السيطرة علي دول اوشكت ان تصنع سلاحا نوويا وتنضم الي النادي النووي بأي طريقة', مشيرا الي ضرورة حل مثل هذه المسائل بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ايضا. وكانت المصادر الرسمية الروسية اعربت عن مخاوفها من احتمالات تعثر عملية التصديق علي المعاهدة في الكونجرس الامريكي, فيما أكدت أن هذه العملية يجب ان تتم بالتزامن في كل من العاصمتين, وهو ما قال ميدفيديف بشأنه' انه علي استعداد للتقدم الي البرلمان الروسي بطلب التصديق علي المعاهدة في مطلع مايو المقبل شريطة ان يفعل اوباما نفس الشيء. وقال:' سأتصل بالرئيس اوباما وسأسأله عن ذلك. وإذا قال' نعم' فسأقدمها'. لكن ما يثير قلق الجانب الروسي هو مدي امكانية ذلك بالنسبة للكونجرس الامريكي. وبهذا الصدد اعرب سيرجي روجوف مدير معهد الولاياتالمتحدة وكنداعن مخاوفه من تاجيل عملية التصديق الي ما بعد نوفمبر المقبل الذي سوف يشهد التجديدات النصفية ما يمكن ان يسفر عن احتمالات تراجع الديمقراطيين وهو ما سوف يلقي علي عاتقهم بالمزيد من الاعباء بحثا عن15-20 صوتا بدلا من ثمانية يجدون في البحث عنهم اليوم للوفاء بهذه المهمة. وذلك يعني ان مخاوف الاوساط السياسية وغير السياسية في روسيا لا تقتصر علي عدم نص المعاهدة صراحة علي الربط بين تخفيض الترسانة الإستراتيجية واحتمالات استئناف واشنطن لخطتها حول نشر عناصر الدرع الصاروخية في شرق اوروبا, بل وتتعداها الي احتمالات ان يخذل الكونجرس الامريكي الرئيس اوباما ويرفض التصديق علي المعاهدة. ويعيد البعض في موسكو الي الاذهان القرار الاحادي الجانب الذي سبق واتخذته الادارة الامريكية حول الانسحاب الاحادي الجانب من معاهدة الحد من الاسلحة الموقعة في عام1972 م. وكانت الصحف الامريكية سبق واشارت الي ان المعاهدة تبدو اكثر مناسبة لروسيا حيث سوف تساعدها علي التخفيف من اعباء صيانة الكثير مما تتضمنه ترسانتها من أسلحة وذخائر يعود تاريخها الي سنوات' الحرب الباردة', الي جانب تفادي مشكلة المعدلات الضعيفة لتحديث الكثير من هذه الاسلحة وما تبذله موسكو من اجل ذلك من نفقات قال ميخائيل مارجيلوف رئيس لجنة الشئون الخارجية لمجلس الاتحاد إنها تقدر بمليارات الدولارات وهي نفقات هائلة في ظل ظروف الأزمة المالية العالمية علي حد قوله.