هناك شىء ما يعكر صفو العلاقة بين الدولة المصرية ورجال الأعمال المصريين ولا أدرى هل هو غياب الثقة أم حلقات مفقودة أساءت لهذه العلاقة خاصة بعد أحداث ثورة يناير وما ترتب عليها من تغيرات لم تكن فى صالح رجال الأعمال وعلاقتهم بمؤسسات الدولة امام ارتباط مصالحهم بنظام رحل..ولقد تابعت عبر سنوات طويلة علاقة الحكومات المتعاقبة مع رجال الأعمال منذ هوجة الانفتاح فى السبعينيات وحتى رحيل النظام فى 2011 خاصة اننى اعرف عن قرب عددا كبيرا من الأسماء التى بدأت مشوارها مع الانفتاح مرورا على الخصخصة ثم من استقر بهم الحال مع مؤسسات الدولة بعد ذلك..كنت اعرف الكثير من الأسماء وأعرف أيضا كيف بدأت مسيرتهم وفى اى المواقع داخل دولاب العمل الرسمى ابتداء بمسلسل توزيع الأراضى وانتهاء بسياسة بيع القطاع العام وبرنامج الخصخصة وما حدث فيه من جرائم ولا أقول تجاوزات.. هناك مجموعة مؤشرات حكمت العلاقة بين الدولة ورجال الأعمال فى علاقة ثنائية لا اعتقد ان الشعب صاحب الحق كان طرفا فيها.. هناك حكومات تصرفت مع رجال الأعمال بمنطق البيع والشراء انها اى الحكومة تملك كل شىء ورجال الأعمال هم أصحاب الحق فى اقتسام كل شىء مع الحكومة..وربما كان هذا هو السبب فى ان موارد الدولة المصرية وأصولها قد تم اقتسامها بين مجموعات الفساد فى الحكومات المتعاقبة ومن حصل على قدر كبير من الثقة من رجال الأعمال..هنا يمكن أن نتحدث عن الظواهر التى أكدت ذلك كله: أولا: لا يمكن أن نتجاهل مسلسل توزيع أراضى الدولة سواء كانت زراعية أو عقارية أو صحراوية, وقد قامت الدولة بتخصيص مساحات مهولة لبعض الأشخاص نظير مقابل مادى هزيل وقد حدث ذلك فى الأراضى الصحراوية والمناطق السياحية فى الغردقة وشرم الشيخ والمدن الساحلية, وكان هذا المشروع من أكبر مصادر الثروة فى مصر طوال الأعوام الثلاثين الماضية إن تجارة الأراضى هى الاستثمار الوحيد الذى شجعته الحكومات بعيدا عن أى مصادر استثمار أخرى فى الصناعة والزراعة باستثناء السياحة وكانت تجارة الأراضى أيضا هى أكبر مصادر الثروة فيها, وللإنصاف فإن البعض اقام المشروعات ولكن الأغلبية تاجرت فى الأراضى ثانيا: لا أحد حتى الأن يستطيع أن يحدد خسائر الاقتصاد المصرى فى بيع مشروعات القطاع العام فى ظل برنامج مشبوه اسمه الخصخصة وللأسف الشديد أن الدولة وبعد ثورتين وسقوط نظامين وخلع رئيسين لم تقترب من قريب أو بعيد من هذا الملف وهو فى تقديرى من أكثر الجرائم التى تم ارتكابها فى حق المصريين.. ثالثا: من أهم الملفات التى أغلقت عليها كل الأبواب هو ملف قروض رجال الأعمال وكانت فى عام 2000 قد وصلت إلى أرقام مخيفة وكان أخطر ما فيها أن البنوك قدمت قروضا ضخمة لرجال الأعمال بلا ضمانات وأيضا بلا مشروعات واختصرت كل أنشطتها فى تجارة وإنشاء العقارات والمضاربات فى البورصة وتجارة العملة وعمليات السمسرة.. ولم تشهد مصر فى هذه الفترة أى إنجازات فى مجالات الصناعة أو الزراعة بل على العكس تم إهدار مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية التى تحولت إلى مبان ومنشآت حتى إن البعض يقدر ما خسرته المساحة الزراعية فى مصر بأكثر من مليونى فدان فى ثلاثين عاما تحولت إلى كتل من الطوب والأسمنت..فى الجانب الآخر كان التركيز على استيراد السلع الصناعية خاصة السلع الغذائية ولم تنجح مصر فى إنشاء صناعات جديدة فى أى مجال من المجالات باستثناء تجميع السيارات المستوردة أو مصانع المشروبات أو الأسمنت والحديد من أجل خدمة الاستثمارات العقارية التى التهمت أموال المصريين.. رابعا: أمام التوسع فى حجم القروض من البنوك تعثر عدد كبير من رجال الأعمال فى عمليات السداد ولم تكن تصرفات الحكومات المتتالية على مستوى المسئولية فى علاج هذه الملفات فقد انصفت البعض بينما ظلمت البعض الآخر طبقا لحسابات ومواقف ابعد ما تكون عن الإنصاف والعدالة والاستثمار الحقيقى خامسا: حينما جاءت ثورة يناير وأطاحت بالنظام السابق كانت ثلاثية الماضى بين الدولة ورجال الأعمال تمثل عقبة شديدة أمام فريق لا يريد أن يتنازل عن مكاسب حققها فى عشرات السنين وحكومات اعتادت على منظومة من الفساد أصبحت لها جذورها ومصادرها وكانت الثلاثية الخطيرة التى حكمت هذه العلاقة تنحصر فى مأساة القروض .. وكارثة الخصخصة..ومسلسل توزيع الأراضى.. هناك حلقات مفقودة الآن بين الدولة ورجال الأعمال أول هذه الحلقات أن الدولة الآن لا تستطيع أن تقدم لهم ما قدمته عهود سابقة من النهب والتحايل والاستيلاء على مال الشعب, خاصة أن ملفات الخصخصة لم يفتحها أحد وأن معظم قضايا الكسب غير المشروع انتهت بأحكام البراءة ومازالت قضايا توزيع الأراضى معلقة, هنا حدثت جفوة بين رجال الأعمال والدولة مع شعور غامض لدى رجال الأعمال بأن الدولة لا تريد التعاون معهم كما كان يحدث فى الماضى وأن قضايا الفساد أصبحت سيفا مسلطا على الجميع ومع تجاهل واضح من الدولة لدور رجال الأعمال ومدى الرغبة فى الاعتماد عليهم.. أمام هذه العلاقة الباردة انسحب رجال الأعمال بعيدا عن مشروعات الحكومة خاصة أن هناك طرفا جديدا ظهر فى المعادلة وهو الجيش وهو الأكثر حسما وشفافية وسرعة فى الإنجاز خاصة فى تنفيذ المشروعات الكبرى مما جعل رجال الأعمال يتجهون إلى أعمال تجارية سريعة مثل تجارة العملة والسلع الغذائية وتجارة الأراضى والعقارات.. إذا كانت الدولة على حق وهى تطالب بقدر من الشفافية فى التعامل مع رجال الأعمال فإن رجال الأعمال ليسوا على حق حين يطالبون الدولة بنفس المميزات والمكاسب التى كانوا يحصلون عليها فى عهود سبقت خاصة أنها افتقدت الشفافية والنزاهة.. ان رجال الأعمال الذين اعتادوا على معاملة خاصة من مؤسسات الدولة فى الماضى القريب يرون أنهم الآن بعيدون تماما عن اهتمام سلطة القرار..إن الدولة تستقبل رؤساء الشركات الأجانب وتجرى المباحثات معهم بكل الترحيب بينما لم تشهد الساحة لقاء بين مسئول كبير ورجل أعمال مصرى أو مجموعة من رجال الأعمال رغم أن فيهم أسماء تتمتع بسمعة دولية وإقليمية كما ان فيهم من لم يتورط فى تجارة الأراضى او صفقات الخصخصة ولم يحصل على قروض من اموال الدولة وهذا يعنى ان الدولة ليست لديها الثقة الكاملة فى رجال أعمالها.. مازالت هناك حلقات مفقودة بين الدولة ورجال الأعمال حول تصفية بعض القضايا المعلقة خاصة فى الأراضى ومتأخرات الضرائب وما بقى من مسلسل القروض وأن الدولة لا تبدى الجدية الكاملة فى إنهاء هذه الملفات فى حين أنها انتهت من حسم ملفات كثيرة أمام القضاء بالنسبة لعدد كبير من رموز النظام السابق أنتهت بأحكام قضائية بالبراءة, ويطالب رجال الأعمال بإنهاء ما بينهم وبين الدولة من الأزمات والمشاكل حتى يستعيدوا أنشطتهم من جديد.. إن الدولة مازالت-كما يقول رجال الأعمال- تريد منهم أموالا وهم يريدون مشروعات وأعمالا جديدة والفرق كبير بين من يفرض حقوقا ومن يدعو للمشاركة خاصة أن الكثيرين منهم قد توقفت أنشطتهم تماما والدليل أن الدولة حتى الآن ليست جادة فى دعم رجال الأعمال فهناك آلاف المصانع المغلقة التى ترفض الدولة حتى الآن توفير الموارد المالية والقروض لتشغيلها بل إن البنوك لا تشجع أبدا إنقاذ هذه المشروعات رغم ما تحملته الدولة من الخسائر طوال السنوات الماضية يضاف لذلك ان هناك قضايا معلقة بين الدولة وعدد من رجال الأعمال لم تحسم بأى صورة من الصور هناك مشروعات توقفت كانت سببا فى زيادة معدلات البطالة خاصة فى مجال السياحة ولم تقدم الدولة الدعم اللازم لأصحاب هذه المشروعات وفيها أكثر من أربعة ملايين عامل. هناك أضرار كبيرة لحقت برجال الأعمال فى عمليات الاستيراد خاصة أن البنوك تطالبهم بالتعامل مع سعر الدولار الجديد أى أن من إقترض مليون دولار بالسعر القديم عليه الآن سدادها مع الفائدة بالسعر الجديد. إن رجال الأعمال يشعرون الآن بأن الدولة قد استغنت عن خدماتهم وأنشطتهم وهم فى نفس الوقت يطلبون الدعم من مؤسسات الدولة مثل البنوك وأجهزة الاستيراد والتصدير والضرائب والجمارك وكل هذه المؤسسات المساعدة التى تحمى أنشطتهم وأموالهم وتشعرهم بأن الدولة حريصة عليهم لاشك أننا أمام قطاع مهم للغاية وهم رجال الأعمال إنهم مثل الإبن الذى دلله والده فى بداية حياته حتى أفسده ومطلوب منه الآن أن يلتزم وان يعمل وهذه هى الأزمة الحقيقية بين رجال الأعمال والدولة المصرية الأن إنهم يريدون نفس المكاسب التى حصلوا عليها فى يوم من الأيام والدولة لم يعد لديها ما تقدمه الآن بل أنها تطالبهم بسداد حق الشعب فى أموالهم بأثر رجعى وهناك ملفات كثيرة تم إغلاقها فى برنامج الخصخصة وبيع أصول الدولة أو مسلسل توزيع الأراضى أو قضايا القروض مع البنوك وقبل هذا كله أن الدولة تفتح الآن ملفات كثيرة للفساد وهى قد تطول أسماء ورموزا كثيرة.