عدد من مراكز البحوث الاجتماعية فى أوروبا والولاياتالمتحدة وجد من خلال بحوثها تماثلا بين تجمعات الإرهابيين وبين العنصريين فى الغرب، ووصفتهما بأنهما وجهان لعملة واحدة، وأن الاثنين يتبنيان عقيدة مشتركة، هى قتل الآخرين وسفك دمائهم فى سلوك يشعرهم بالمتعة اللامتناهية، حتى وإن اختلفت عقيدتهم المذهبية. إلا أن ما يجمعهما هو الخروج على الفطرة البشرية والحس الإنسانى وقواعد القانون، على أساس أن الله خلق الإنسان متسامحا بفطرته، وليس فى داخله عداء، بلا ضابط تجاه الآخرين، كما أنه ملتزم فى الضرورة بالقوانين التى تحكم مجتمعه، والتى لا يكون لأى دولة وجود دون أن يحكم أفرادها القانون الذى يخضعون له. ولاحظت الدراسات ذلك فى أثناء متابعتها الجهود التى يبذلها رجال القانون، وأيضا الشركات التى تبث رسائل عن طريق وسائل التكنولوجيا الحديثة، من أجل وضع حد لما وصفته بعمليات تحريض صغار السن على التطرف من خلال الإنترنت. وبعد أن وجدوا أن الجانبين، وهما الإرهابيون من «داعش» وغيرها من المنظمات المتطرفة، وكذلك العنصريون البيض، يبثون رسائلهم بنفس الطريقة عبر الإنترنت، من أجل تبنى أفكارهم المتطرفة، وهو ما دفع الباحثين إلى محاولة التصدى لاستخدام التحريض من الجانبين من خلال الإنترنت. ويقول جون دونفان مدير معهد دراسات التطرف فى وسائل الميديا وفى المجتمع، إنه بالرغم من أن المنضمين لمنظمات الإرهاب الذين يرددون شعارات إسلامية، وكذلك المتطرفين من البيض، لديهم وجهات نظر ودوافع مختلفة، فإن هناك جوانب متماثلة لديهما بشأن كيفية استخدامهما الإنترنت لنشر أفكارهم وتجنيد الأفراد، وتنظيم نشاطاتهم التى يقومون بها خارج إطار «الإنترنت»، وهى القيام بالفعل بالعمليات الإرهابية ضد الآخرين. ويضيف دونفان أنه من بالغ الأهمية لهما أن يكونوا ظاهرين فى الفضاء الإلكترونى العام، وأن تعبير «دفع صغار السن نحو التطرف عن طريق الإنترنت» يتكرر استخدامه لوصف نوع محدد من التطرف الذى يلجأ إليه تنظيم داعش لتحريض صغار السن من المسلمين ودفعهم على ارتكاب أعمال عنف، عن طريق رسائلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن كما هو واضح فإن الإرهابيين مرتكبى العنف ليسوا وحدهم المستفيدين من قوة تأثير الإنترنت لدفع الصغار نحو التطرف، وأن المتطرفين البيض لديهم مهارة فى ذلك. وبينما كان المتطرفون القدامى قبل عصر «الإنترنت» مثل جماعة «كو كلوكس كلان» فى الولاياتالمتحدة يمارسون نشاطهم عن طريق الصلات الشخصية والتعليمات المباشرة وجها لوجه، فإن المتطرفين فى الأيام الحالية قد سلكوا طريقهم من خلال خبراتهم فى استخدام «الإنترنت» وللتجنيد، وأيضا التنسيق بين مجموعاتهم التى زاد عددها كثيرا. وبحيث أصبح ظاهرا أن تهديدات المتطرفين البيض فى الغرب والإرهابيين فى الشرق الأوسط هما وجهان لعملة واحدة، من حيث إنهما يعملان دائما على تجنيد أعضاء جدد. ويقول الكاتب فارهاد مانجو فى تقريره لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن الخطوة الأولى نحو مكافحة التطرف عبر «الإنترنت» تبدأ بالاعتراف بأن التطرف أيا كان يمثل تهديدا، ففى مواجهة سلسلة هجمات «داعش» فى أوروبا والولاياتالمتحدة على يد أفراد تم تجنيدهم عن طريق «الإنترنت»، فإن السياسيين فى هذه الدول أصبحوا يطالبون باتخاذ إجراءات محددة تجاه هذا الوضع. وردا على هذه المطالب، فقد بدأت أخيرا شبكات «جوجل» و«فيسبوك» و»مايكرو سوفت» وغيرها من الجهات التى تدير مواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، تزيل بشكل منتظم صفحات مريبة من على مواقعها. وفيما يتعلق بالمتطرفين البيض، فإن التراخى تجاههم قد خلق منهم وحشا، كما يقول الباحثون، والذين يصفونهم بأنهم أكثر خبرة من الإرهابيين فى استخدام الإنترنت. وفى مجال بحوث «مركز بحوث مشروع مكافحة التطرف»، فقد بدأ بدراسات ميدانية مكثفة أجرى خلالها حوارات مباشرة مع عدد من الإرهابيين السابقين، وأيضا بعض المتطرفين البيض السابقين، واكتشفوا وجود صفات شخصية مهمة لدى الأفراد على الجانبين، والتى تمثل ميلا نحو التطرف، ووجدوا أن عضو منظمة داعش عندما كان يبدأ التخطيط للسفر إلى سوريا للانضمام إلى هذا التنظيم، فإنه كان مثل من يسقط فى قاع جحر مغلق عليه، بحيث يرفض تقبل أى معلومات تقدم إليه من خارجه. إن انتشار الهجمات الإرهابية فى أوروبا قد جعل من هذه المشكلة بندا رئيسيا فى جدول أعمال كثير من مراكز البحوث والدراسات خاصة المهتمة بظاهرة الإرهاب، وفى دائرة البحث اتجهت أنظارهم إلى دور «الإنترنت» فى توسيع نشاطات المنظمات الإرهابية التى تستخدمه يوميا فى التحريض على العنف، وفى تجنيد أفراد جدد بالتركيز بصفة خاصة على صغار السن ممن لم يبلغوا مرحلة النضوج العقلى والفكري، بحيث يسهل السيطرة على عقولهم. وفى إطار هذه البحوث تنبهوا إلى أن الإرهاب يحمل سمات مشتركة بينه وبين الجماعات المتطرفة البيضاء، بصرف النظر عن اختلاف معتقداتهما عن بعضهما البعض.