إحساس عام بالصدمة للهجمات الإرهابية التى ضربت فرنسا، إمتد إلى كل دول أوروبا، التى عكست هذا الإحساس لديها بمساحات من السواد غطت صفحات الصحف، وتحول ما جرى فى فرنسا إلى الموضوع الرئيسى الذى يشغل شعوب هذه الدول على إختلافها. وإنعكس ذلك على حالة تأهب أمنى فى كل دول أوروبا، بعد أن أعلنت المخابرات البريطانية أن مجموعة من المتطرفين تخطط لشن هجمات واسعة فى دول الغرب. وفى هذا السياق إجتمع 11 من وزراء داخلية دول أوروبا وأمريكا الشمالية فى باريس على هامش المسيرة التى نظمت من أجل التنديد بالإرهاب لبحث الحرب على الإرهاب. وأصدروا بيانا أكدوا فيه على ضرورة مكافحة التطرف خاصة عبر الإنترنت، وتعزيز طرق التصدى لنشاط المنظمات الإرهابية عن طريق عرقلة تنقلاتهم. كما أكد الوزراء فى بيانهم على ضرورة التعاون مع شركات الإنترنت بضرورة حذف كل المعلومات الموجودة على شبكة الإنترنت والتى تشجع على الكراهية والإرهاب والعنف، بعد أن ظهر الدور الكبير الذى تلعبه فى تحول أفرادج عاديين إلى التشدد والتطرف. وإذا كان جانب مهم من هذا الشعور راجع إلى التعاطف مغ فرنسا فى محنتها، فإن جانب أخر لا يقل أهمية يرجع إلى ما تكشف من أن الخلايا الإرهابية لديها خطط أعم وأشمل، وأن التخطيط الدموى يستهدف مجتمعات أوروبية أخرى بنفس الطريقة. وهو ما دعا وزراء الداخلية إلى الدعوة إلى ضرورة وضع نظام لجمع المعلومات التى يقدمها المسافرون إلى شركات الطيران، وهو ما سيؤدى إلى تبادل المعلومات عن ركاب الرحلات الجوية وخاصة بين دول الإتحاد الأوروبى، وسيؤدى هذا النظام إلى متابعة الأشخاص الذين يسافروا إلى مناطق الإرهاب ومعسكرات تدريباتهم، والعائدين منها. وذلك بعد أن تأكدت المعلومات التى تشير إلى إستمرار سفر أعداد كبيرة من الأوروبيين إلى سوريا والعراق والقتال هناك فى صفوف المنظمات الإرهابية ومنهم على سبيل المثال 1200 فرنسى. وعقب عودة ديفيد كاميرون من باريس إلى لندن، أعلن مجموعة من القرارت الجديدة للحكومة، تتجه إلى فرض الرقابة على الإنترنت، وأنه سيتم إغلاقوسائل الإتصال الإلكترونى مثل "الواتس أب" و"سناب شات"، وأنه لابد من قيام أجهزة المخابرات بمراقبة الإتصالات بين المتطرفين وبعضهم، والذين وصفهم بالفاشيين. وأكد كاميرون أيضا على أن قانون منع التنصت، الذى كان قد ألغى، سوف يعود العمل به فى حالة موافقة أغلبية أعضاء مجلس العموم عليه فى الإنتخابات العامة المقررة فى مايو القادم. وأضاف كاميرون "أننا لن نسمح للإرهابيين بالإتصال ببعضهم عن طريق وسائل الإتصال الإلكترونية". فى نفس الوقت شهدت الولاياتالمتحدة إجراءات أمنية جديدة، بعد أن أعلن وزير الأمن الداخلى تقوية تدابير الأمن والمراقبة حول المنشآت الحكومية والمطارات. فى الوقت الذى دعا فيه باراك أوباما أمام الكونجرس إلى تمرير مشروع قانون لتشديد الأجراءات الأمنية على الإنترنت، واصفا شبكة الإنترنت بأنها من أخطر التحديات التى تواجهها الولاياتالمتحدة حاليا. وكانت مصادر أمنية بريطانية قد ذكرت قبل أسبوع من الأحداث الدامية فى فرنسا، أن هناك إتصالات مكثفة بينها وبين الفرنسيين بعد الحوادث التى وقعت مؤخرا فى فرنسا، عن وجود معلومات عن قرب تنفيذ هجمات إرهابية مماثلة فى بريطانيا. كما أوضح مسئول كبير فى الحكومة البريطانية، أن الشرطة كانت تركز على توقع قيام الإرهابيين بإطلاق النار من أسلحتهم على الأماكن العامة والمزدحمة، بإستخدام سيارات "فان" كبيرة، لإقتحام الأماكن العامة وقتل المارة، بدهسهم بالسيارات وإطلاق النار عليهم. وكانت هذه المعلومات سببا فى أن تعيش بريطانيا حالة تأهب أمنى قصوى فى وقت إحتفالات العام الجديد، لمواجهة خطط الجماعات الإرهابية للقيام بالقتل الجماعى والعشوائى للمدنيين، وإصطيادهم فى الميادين العامة والشوارع المزدحمة، مثل شارع أكسفورد الشهير فى لندن، والذى يتسوق فيه الزوار من أنحاء العالم. عقب إكتشاف هذه الخطط، بدأت الأجهزة الأمنية عملية بحث عن وسائل جديدة لحماية الناس من العصابات، التى تتبع أسلوب "إضرب وإهرب"، "HIT AND RUN"، والبحث عن خلايا نائمة "SLEEPERS"، أشخاصها غير معلومين للأمن. ونقلت صحيفة التايمز البريطانية عن مصادر مسئولة فى رئاسة الوزراء، أن الدولة وضعت على قمة أجندتها إستخدام الإرهابيين للسيارات، وأنها قررت إتخاذ إجراءات إضافية، كما نبهت أصحاب المحال والمبانى بضرورة الإبلاغ عن أى شخص يشتبه فيه، أو عند رؤية أى سيارة يشتبه فى أن تستخدم كسيارة قاتلة. إن الحصول على المعلومات المسبقة، عن تحركات الإرهابيين، قد إرتبط كذلك مع بدء عملية بحث إستمرت ثلاثة أشهر من جانب الأمن البريطانى لرصد حالات تجنيد المراهقين، وتكليفهم بجرائم إرهابية فى بريطانيا أو إرسالهم إلى سوريا للقتال هناك.وتبين أن المنظمات الإرهابية تستخدم الإنترنت فى الترويج لأهدافها، وتركز على جذب المراهقين خاصة من لم يتجاوز عمرهم 16 عاما، ويكون الإغراء عن طريق ثلاثة عناصر، الإغراء بالمال والزواج المجانى والتأثير على من لديهم حب المغامرة. وربما كان ما تكشف فى عملية تجنيد المراهقين، يقدم بعض الإجابة على السؤال الذى شغل الحكومات والباحثين فى الدول الغربية، عن أسباب قدرة تنظيم داعش على التأثير على مجموعات من الشباب وإقناعهم بالسفر للقتال إلى سوريا والعراق والعودة لتنفيذ عمليات إرهابية داخل بلادهم، فكثير من هؤلاء الشباب يسيطر عليهم الرغبة فى المغامرة، أيا كانت نتائجها، بالإضافة إلى المراهقين الراغبين فى تجربة زواج لا تحملهم أى تكاليف، وكذلك المال الذى يحصلون عليه، وكأنهم مجموعات من المرتزقة، ولهذا تبين أن جزءا كبيرا من هؤلاء الشباب مازال فى سن المراهقة بدءا من سن 15 سنة إلى 18 سنة. وأثناء هذه الأحداث تم الكشف عن خلية داخل بريطانيا متصلة بتنظيم داعش تقدم أموال للفتيات للسفر إلى سوريا للزواج من أعضاء التنظيم، ويتم تحويل المال لهم عن طريق بنوك لدفع قيمة تذكرة السفر. وقد تم القبض على واحدة من هؤلاء الفتيات تسمى عائشة، عمرها 17 سنة وتعيش فى حى فى شرق لندن، وإعترفت بتجنيد داعش لها، وتأثرها الشديد بدعايتهم، والتى تعرفت عليها عن طريق تويتر، ومن خلال شخص يسمى نفسه "أبو عباس اللبنانى". هذه الإعترافات أثارت قلق الأمن من إستخدام الإرهابيين لوسائل الإتصال الإجتماعى بتجنيد الصبية، وظهر ذلك فى تنبيه رئاسة مجلس الوزراء البريطانى لشركات التواصل الإجتماعى، بأن تتحمل مسئوليتها بفرض إجراءات صارمة على إستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعى فى دعم ونشر الإرهاب، وقالت رئاسة الوزراء "أننا نحتاج الأن لإجراءات تحد من المواد التى ينشرها الإرهاب على الإنترنت"، وقالت أن تقدما قد تحقق فى هذا الإتجاه من جانب هذه الشركات، لكننا مازلنا ننتظر المزيد. وعلى سبيل المثال، فإن ما ينشر على الإنترنت من وسائل صناعة القنابل البدائية، بالإضافة إلى الدعاية الخطيرة والمضللة لجماعات الإرهاب، وتشغل كل الدول التى يهمها فرض نوع من الرقابة المشددة على هذه المواد، بعد أن توسع الإرهابيون فى التعلم مما ينشر على الإنترنت وإستخدامها ضد الأبرياء. إذا كانت بريطانيا قد فرضت حالة التأهب القصوى لمواجهة عصابات القتل الجماعى دون تمييز، وإزهاق أرواح الأبرياء ممن لا ذنب لهم، والتى بدأت فى فرنسا ومتوقع إنتقالها إلى بريطانيا وبقية دول أخرى فى الغرب، فإن ما تواجهه بريطانيا، وأيضا فرنسا، يحدث بنفس الطريقة فى بلادنا العربية، وهو ما يحتاج لأن تتوقف بعض الجهات فى بريطانيا، التى تؤيد هذه الإجراءات المشددة فى بلادها، وتنتقد دول أخرى حين تتخذ مثل هذه الإجراءات نفسها، وهو ما يثير الدهشة والحيرة. وإذا كانت الحكومة البريطانية قد أقرت بأن مواقع التواصل الإجتماعى ومواقع الإنترنت صارت سلاحا خطيرا يستخدمه الإرهابيون، فى تصنيع القنابل البدائية وإرسال رسائل وتوجيهات لأنصارهم من الإرهابيين المعروفين أو الخلايا النائمة، وتجنيد الشباب الصغير، فإن هذا الوضع يجب مواجهته بمواقف وقرارات دولية، طالما أن الجميع يعترف بأنه أصبح من أهم وأخطر أسلحة الجماعات الإرهابية.